الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

العالم أصبح دراما تلفزيونية

العالم أصبح دراما تلفزيونية

ظهرت الـ Soap Opera أو المسلسلات الدرامية المطوّلة في الولايات المتحدة بين 1935 – 1950، وهي مسلسلات بأحداث مطوّلَة وشخصيات متعددة تبث عبر الإذاعة أو التلفزيون، وعلى الرغم من أن البداية كانت من الولايات المتحدة، فإن أطول وأشهر هذه المسلسلات جاءت في بريطانيا، مثل مسلسل Eastenders، الذي بدأ في فبراير عام 1985، ولا يزال معروضاً على البي بي سي، بينما يستمر عرض مسلسل Coronation Street، الذي بدأ في ديسمبر 1960، حيث تتعاقب على أدائه اجيال من الممثلين.
مثل هذا النوع من المسلسلات كان موجهاً إلى ربات البيوت، اللاتي كن يتابعن هذه المسلسلات أثناء تأدية أعمالهن المنزلية، خاصة أن أغلبها – أي المسلسلات – كانت تُعرَض في الفترة النهارية، سواء في أمريكا أو بريطانيا.
سُمّيَت هذه المسلسلات Soap Opera لأنها في بدايتها كانت مدعومة من قِبَل شركات الصابون والمنظّفات، أما الشق الثاني من الاسم، أو الأوبرا، فيعود إلى أن أغلب الأعمال الأوبرالية تدور عادة حول أفراد أو قصص عوائل بالتفاصيل الدقيقة والمطوّلة.
بالنسبة للعالم العربي، فقد شهدت ساحته أولى تجارب المسلسلات في مسلسل “عائلة مرزوق أفندي”، الذي بدأ بثه عام 1959 على الإذاعة المصرية عبر برنامج بعنوان “إلى ربات البيوت”، بمعنى آخر تبنّى أول مسلسل عربي نفس خط ونهج بداية مثل هذه المسلسلات في أمريكا وبريطانيا.
ثم شهدت فترة الثمانينيات والتسعينيات موجة من المسلسلات العربية، التي لا تزال بعض الفضائيات تعيد بثها، وذلك لقيمتها الفنية، مثل ليالي الحلمية، والشهد والدموع، ولن أعيش في جلباب أبي، وأبنائي الأعزاء شكراً، وغيرها. هذا على المستوى العربي، وبالتحديد المصري منه، أما على المستوى المحلي الكويتي، فقد شهدت تلك الحقبة مسلسلات ثرية، مثل رقية وسبيكة، ودرب الزلق، وذهب ولم يعد، وخالتي قماشة، وغيرها. وذلك قبل أن تكتسح المسلسلات السورية والتركية الساحة لتنافس وبقوة كل ما يُعرَض على الشاشة، ولتطرح نموذجاً مختلفاً في أحداثه وعدد حلقاته.
كل هذه المسلسلات، وبغض النظر عن جغرافيتها، يمكن أن تدخل تحت تصنيف الـ Soap Opera، سواء من حيث المحتوى أو التوقيت أو الأداء والتفاصيل، ولم تخلُ بعضها من إثارة جدل سياسي أحياناً، أو استياء اجتماعي في أحيان أخرى، وكما حدث مع مسلسل “من شارع الهرم” و”أم هارون” ومسلسل “رأفت الهجان”.
لا شك بأن صُنّاع الدراما التلفزيونية أصبحوا يجنون الكثير من ورائها، وأصبحت الفضائيات تتسابق للحصول على عرض حصري للمسلسل، وخاصة في شهر رمضان، الذي يشهد في كل عام زخماً هائلاً من الأعمال الدرامية، التي تتنافس لكسب المشاهد، والذي بات يدخل يومياً من باب الحارة ماراً بطاش ما طاش، ومنتهياً بالاختيار وهكذا.
بالطبع، ومع كل رمضان، تبدأ أصوات النقد والاستياء من بعض الأعمال الدرامية، إما لأنها تتعارض مع حقائق تاريخية موثّقَة، أو لكونها تنتهك أعرافاً وتقاليد اجتماعية أو موروثات دينية، لكن اليوم، وفي ظل الانفتاح التكنولوجي والسيبراني والفضائي، يبقى كل هذا النقد في حدود التذمر فقط، أي لم يعد بالإمكان حظر مسلسل، أو فرض رقابة على نص درامي، أو حتى مقاضاة شركة إنتاج أو ممثل، فالفضاء أصبح مفتوحاً، ومنصات العرض لم تعد خاضعة لرقابة دول أو مؤسسات رقابية، كما كان الحال في السابق، ولم يعد في يد المشاهد إلا أن يُتقِن فن الفرز والاختيار وسط كم هائل من الأعمال الدرامية، التي تتنافس في عرض بضاعتها.
ختاماً، العالم اليوم أصبح كله عبارة عن دراما تلفزيونية، تستطيع أن تتابعها من أي حلقة، سواء كانت الأولى أو الأخيرة، فالبداية تشير إلى النهاية والعكس قد يكون صحيحاً، يحدث هذا على المستوى السياسي والاجتماعي والفني والدرامي، كل شيء أصبح يسير وفقاً لدراما تلفزيونية مطوّلة ومزدحمة بالأحداث والشخصيات وشيء كثير من المتناقضات.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى