العلمانية ليست مصدر الإرهاب

“العلمانية مصدر للإرهاب” عنوان لمقال أراد فيه أحد الإخوة من تيار الإسلام السياسي أن يحمّل “العلمانية” وزر تطرف الشباب الذي أفرز داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام وجيش الفتح، وهكذا، وذلك حين عمدت الأقلام والمنابر العلمانية إلى تشويه عمل الحاضنات التربوية التي لا تتوافر إلا عند الجماعات الإسلامية المعتدلة!
المقال من بدايته وحتى نهايته يكرر مدى “اعتدال” التيارات الإسلامية، ودور التيارات الليبرالية والعلمانية في تشويه التيار “الإسلامي” المعتدل وتحجيمه وتقييد حريته، مما أدى وبشكل مباشر بحسب قول الكاتب إلى نشأة الفكر المتطرف!
بداية، كنت أتمنى لو أن الأخ الفاضل قد أشار بالاسم إلى تيار إسلام سياسي معتدل واحد! وتمنيت لو أنه استرسل في رصد الأسباب التي جعلت الدولة تصرف الملايين على مؤسسات تطمح إلى تعزيز الوسطية التي لا تزال مفقودة بالرغم من كل هذه الأموال المرصودة! تمنيت لو أنه ذكر اسم مؤسسة أو جهة “علمانية” واحدة على حسب قوله ساهمت في إذكاء داء التطرف والعنف. ويا حبذا لو أن الكاتب الفاضل لا يجتر حادثة المفرقعات الشبابية في الستينيات التي يرددها الإسلام السياسي كدليل على عنف وتطرف “العلمانيين” والليبراليين!
كم تمنيت لو أنه كان منصفاً بعض الشيء وموضوعياً في تناول قضية التطرف الخارج من أحضان وقاعات بعض المساجد، آخرها كان في إعلان وزير العدل عن 97 مسجداً مخالفاً تحتضن الكثير منها أصحاب الفكر الضال والمنحرف!
تمنيت كذلك لو أن الكاتب الفاضل عاد إلى مراجع التاريخ، وعقد مقارنة بين تطرف وعنف “العلمانيين” وأصحاب الإسلام السياسي، وأجاب عن بعض الأسئلة التي تطرح نفسها هنا: هل كان الليبراليون هم من شن الغارات على بادية العراق والكويت في بداية القرن الماضي؟ وهل كان الليبراليون حينها هم من اقترف المذابح ضد التجار والمسلوبات التي نهبت آنذاك؟ هل كان “الليبراليون” هم من اغتال القاضي الخازندار والنقراشي والبنا والسادات والمحجوب وغيرهم في مصر؟
هل اغتال “الليبراليون” الإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن في عام 1948، وكان عمره 79 عاماً؟ وهل هم من وقف ضد انتفاضة مارس 1965 في البحرين ضد الاحتلال البريطاني؟ وهل هم من أثار ولا يزال النعرات الطائفية في العراق وسوريا؟!
لن استعرض تاريخ تيارات الإسلام السياسي الدموي، ولكنها وقفة مستحقة لكي لا يستمر مفكرو وكتّاب الإسلام السياسي في القاء اللوم على “الليبراليين” و”العلمانيين”، بحسب تعبيرهم، والادعاء بأنهم هم وحدهم من يحمل لواء الوسطية والاعتدال، وحتى لا ينكروا أن مناهج التعليم التي أخرجت هذا الفكر المتطرف الشاذ هي من صنع عقولهم وأقلامهم، ولا أحد غيرهم!