11 سبتمبر.. مؤامرة أم كارثة؟

يوم السبت الماضي حلّت الذكرى العشرون لهجوم الحادي عشر من سبتمبر، الذي استهدف قلب الولايات المتحدة في مشهد غير مسبوق.. وإذا كان يوم التاسع من نوفمبر عام 1989 هو اليوم الذي غيّر وجه العالم، وذلك حين أعلن عضو المكتب السياسي لدولة العمال والفلاحين في جمهورية ألمانيا الديمقراطية الخبر القنبلة أمام حشد من الصحافيين المذهولين حينها، معلناً فتح جدار برلين.. فإن يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 قد شكّل أكثر الأحداث درامية في القرن الحادي والعشرين.. ليس بالنسبة لأمريكا وحدها.. وإنما للعالم بأسره. فالحدَث ضرَبَ المؤسسة الاقتصادية مُمَثّلة بمركز التجارة العالمي، والمؤسسة الأمنية أو الدفاعية المُمَثّلة بوزارة الدفاع أو البنتاغون.
ما تزال التحليلات والتكهنات، وبالرغم من مرور عقدين على الحادثة، تلف العالم وتجول المنتديات والحوارات السياسية والفكرية، ولا تخلو تلك التحليلات بالطبع من عنصر المؤامرة، وعمّا إذا كان الحدَث مُدَبّراً وبشكل مُعيّن يُبيح للولايات المتحدة خطواتها فيما بعد نحو نهج ورؤية جديدين لما يتعلق بملاحقتها وحربها مع الإرهاب، أو أنه فعلاً قد كان حدَثاً كارثياً مُدَبّراً بدقّة. فبالرغم من كل ما أنفقته واشنطن من أموال طائلة تقدّر بالمليارات للحفاظ على منظومتها الأمنية، وحماية حدودها ووجودها من الهجمات الإرهابية، فإن كل تلك الإجراءات والأموال لم تمنع من وقوع هجوم الحادي عشر من سبتمبر.
صورة جديدة للإرهاب وتعريف غربي بحت له جاء كأهم إفرازات ذلك اليوم.. فالعالم كله، وليس أمريكا وحدها، أصبح موقناً ومؤمناً بالرؤية اليمينية الغربية لِصِفَة الإرهاب وهيئته، بحيث أصبحنا جميعاً ولا إرادياً نرى أن منبع الإرهاب هو في جماعات من ثقافات مُعَيّنة، وأن تَسَرّب الإرهاب والعنف إلى أمريكا وأوروبا قد جاء عِبر المهاجرين الذين دفعتهم حروب الغرب فوق أراضيهم للبحث عن اللجوء والرحمة والرأفة عند المجتمعات الغربية، مثل هذا الكلام لا يعني إنكاراً لمسؤولية بعض الجماعات العقائدية عمّا يحدث من إرهاب في العالم، ولكنه يحمل تساؤلاً حول عدالة تعريف الإرهاب كمفردة، وعمّا إذا كان من الإنصاف تحميل ثقافة أو عقيدة بعينها مسؤولية العنف والإرهاب، خاصة في ظل الاستثناء الدولي والإجماع العالمي على عدم تصنيف الممارسات الصهيونية العنصرية والظالمة ضد الفلسطينيين تحت مظلة ومفردات التعريف نفسه.
بالطبع ليس هنالك من يدعَم الإرهاب بأي شكل من أشكاله، لكن حين يتم تكريس مصطلح الإرهابي أو الجماعة الإرهابية لخدمة هدف سياسي مُحَدّد، وتبدأ معه وسائل الإعلام بترويج مفردة الإرهاب لتشمل جماعات معارِضَة لأنظمة سياسية أو كيانات مناهضة لحروب واعتداءات سافرة في حقها، يُصبح تعريف الإرهاب غامضاً وضبابياً وقابلاً للتحريف والتأويل وفقاً للأهداف السياسية المطروحة.
لا يوجد حتى الآن تعريف موضوعي بحت للإرهاب، فكل التعريفات تبقى خاضعة للمزاج السياسي والفكري لمجموعة ما، فوفقاً لتعريف تشومسكي الذي قال فيه: “إن الإرهاب محاولة لإخضاع أو قَسْرِ السكان المدنيين أو حكومة ما عن طريق القتل أو الخطف أو أعمال العنف.. وذلك لتحقيق أهداف سياسية”.
وفقاً لمثل هذا التعريف بالإمكان القول إن حق الفيتو، الذي تَتَمَتّع به دولة كالولايات المتحدة، يعتبر نوعاً من الإرهاب، فهو في النهاية عصيان وتمرّد على قرارات توصّلت إليها الأمم المتحدة بالإجماع.
عودة إلى حيث بدأنا للتذكير بأن هنالك محطات في التاريخ لم يحدث بعدها رجوع إلى الوراء أبداً، محطات كانت تداعياتها أعنف من أحداثها، من يوم التاسع من نوفمبر، الذي شهد سقوط حائط برلين والذي مَهّد لانهيار المعسكر الشيوعي بأكمله، إلى يوم الحادي عشر من سبتمبر، الذي أرسى مفهوماً جديداً للإرهاب يخلو من عدالة التعريف، وبشكل جعل العالم بأكمله إرهابياً باستثناء إسرائيل والشركات العملاقة التي تستنزف وتعبث بمُقَدّرات الشعوب وأقدارها، وإلى يوم الثاني من أغسطس الذي ضرَب المنطقة العربية بأسرها في مقتل، كلها أيام من التاريخ، قد ينتهي معها التاريخ بشكل سيئ للبعض.. وقد يكون مفرطاً في الحظ بالنسبة للبعض الآخر.