إرهاب “الرجل الأبيض”!

لم يكن الكاتب الأمريكي توماس فريدمان وحده الذي تساءل في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول رد فعل الرئيس الأمريكي ترامب والمشرعين في الكونغرس في حال كان مُطلق النار في مجزرة “لاس فيغاس” مسلماً، أو يتبع تنظيم داعش “الإرهابي”؟!
جميعنا طرح مثل هذا السؤال، خصوصاً في ظل امتناع الحكومة الأمريكية بمسؤوليها وبأجهزتها الإعلامية عن الإشارة إلى أن مقترف المجزرة “إرهابي”، واكتفوا بالحديث عنه كـ “مجرم”، مما يفتح جبهة نقاش حامية هنا حول الفرق بين “المجرم” و”الإرهابي”؛ لغوياً ومنهجياً!
أمريكا هي صاحبة “مشروع الحرب على الإرهاب”، انطلاقاً من مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، الذي صنّف العالم إلى دول خيّرة معه، وأخرى شريرة ضده! وقد كان للعرب بالتحديد النصيب الأكبر من ذلك المشروع الأمريكي”لمواجهة الإرهاب”، حيث تم تدمير البنى التحتية لأربع دول عربية، كما هي حال العراق وسوريا واليمن وليبيا، ولا يمكن إلا لجاهل أو متجاهل أن يعفي الولايات المتحدة من مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عما حدث في الشرق الأوسط، أو كما قالت غونداليسا رايس في تبريرها للقصف الإسرائيلي على لبنان: “ينبغي أن نكون على يقين من أننا ندفع نحو ولادة شرق أوسط جديد، وأننا لن نعود إلى العالم القديم”.
حروب الإبادة وتغيير الثقافات وجغرافيا الدول مسألة ليست جديدة على الغرب، فلقد أباد “المستوطن الإنكليزي” الشعب الأمريكي الأصلي حين أسماهم بالهنود الحمر، وتعامل مع هؤلاء السكان الأصليين بمعايير بعيدة كل البعد عن أدنى درجات الأخلاق أو القيم الإنسانية! ثم توالت “انتصارات” الإنسان الأبيض في قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية، ومن بعدها حروب أمريكا الهمجية أو الإرهابية في فيتنام التي تم فيها استخدام الأسلحة الجرثومية والبيولوجية التي يتهمون النظام السوري اليوم باستخدامها! ولا ننسى بالطبع قائمة طويلة من “إرهاب” الرجل الأبيض في كمبوديا ورواندا ويوغسلافيا، والعراق وسوريا وفلسطين، والقائمة تطول!
الغرب اليوم يقوم بهدم ممنهج لحضارات ودول، وقد يكون قد استغل هنا ثغرات سياسية وفكرية في هذه الدول سمحت له بتنفيذ مشروعه، لكن ذلك لا يعفيه من القضية الأخلاقية التي يتحجج بها، مسألة محاربة الإرهاب كفكر! وهي العبارة التي تمتلئ بتناقضات لغوية وسياسية، خصوصاً في ظل الترويج لنا كشعوب بأننا إرهابيون بحاجة إلى حضارة وديمقراطية “الرجل الأبيض” الذي يمكن أن يكون “مجرماً” لكنه أبداً لا يكون “إرهابياً”!