ملفات ساخنة

إرهابيون أم شهداء؟

[جريدة القبس 27/4/2004]

أثار تصريح المفتي العام للسعودية مؤخراً مسألة الجهاد في الإسلام من جديد! فبحسب تصريح المفتي، إن رجال الأمن الذين يقاومون الإرهابيين في عملهم يعتبرون “مجاهدين”، وإن من قتل رجال الأمن في هذه الحالة يكون قد دخل في “دائرة الكفر”! كما نفى المفتي العام أن تكون الأحداث التي وقعت في المملكة من تفجير وغيره سببها التنطع في الدين والغلو، كما نفى كذلك أن يكون غياب حرية الكلمة والقول والبطالة وقلة الأعمال وراء الإرهاب في المملكة.
مؤكداً أن حرية الرأي، في حدود الشرع وما أذن به الشارع، متوفرة، أما حرية الحديث والهذر بما لا يدركه الإنسان فهو ليس من مبادئ الإسلام.
هنالك، ولا شك، أسباب كثيرة لمظاهر العنف التي سادت العالم في الآونة الأخيرة، ومن الخطأ أن نعيد كل تلك الأسباب إلى الدين والعقيدة فقط! وإلا نكون قد اختزلنا قضية العنف في إشكالية الاختلاف الديني أو الطائفي، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، فالذي يدفع شاباً في مقتبل العمر أو فتاة صغيرة أو أماً لأطفال لأن تفجر نفسها فهو بلا شك واقع أقسى وأمر من الموت نفسه! ولنفترض أن هنالك من الانتحاريين من دفعه يقينه بفرض الجهاد إلى تفجير نفسه أو تفجير الآخرين، فإن ذلك لا يعني أن (الجهاد) هو الدافع الوحيد أو أن جميع الانتحاريين تدفعهم نشوة الشهادة وحدها لتفجير أنفسهم!
قيل الكثير في الجهاد وأصدر الجميع فتاواهم، وأصبحت حرب الفتاوى أقسى وأشرس من حرب الآليات العسكرية، ففي حين يرى د. محمد عابد الجابري أن آيات القتال في القرآن الكريم مثلها مثل جميع آيات القرآن الكريم، إنما تقرر حكماً له مناسبته ومقاصده، أما القاعدة التي قررها الفقهاء بقولهم: “العبرة في عموم اللفظ لا في خصوص السبب” فهي ليست مطلقة!
ويرى الدكتور حسن حفني، أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة، إن: “للمجاهد الشهيد الجنة إن لم يرجع سليماً مع أجر أو غنيمة، فالجهاد بمقاييس الدنيا أخذ وعطاء، فوز وتضحية، غنم وغرم، وبمقاييس الآخرة غنم وفوز، وللمجاهدين في الجنة درجات تبلغ المئة، ما بين درجة وأخرى كما بين السماء والأرض أوسطها الفردوس، وأعلاها فوق العرش، وأن الجنة تحت ظلال السيوف”.
أما سعود بن صالح السرحان فيرى أننا اليوم بحاجة ماسة إلى كتابة فقه جديد للجهاد يراعي التغيير الكبير الذي حصل في طبيعة العلاقات بين الأمم والاختلاف الواسع في القيم والأعراف الدولية عما كانت عليه قبل قرون.
تتعدد التعريفات والاجتهادات الرامية إلى تفسير أو تبرير حوادث العنف في العالم العربي والإسلامي وتتغير معها مواصفات “الإرهابي” و”الشهيد المجاهد” لتتلاءم مع ما يستجد من تحولات سياسية، فمجاهدو الثمانينيات الأفغان هم أنفسهم “إرهابيو” الألفية الثالثة، و”الملتزمون دينياً” في دول الخليجِ أصبحوا اليوم مخربين يفجرون في بلادهم ويعيثون فيها فساداً ورعباً وتخريباً!
ولعل في تصريح مفتي السعودية، الذي أوردناه في بداية المقال، ما يشير إلى ذلك التحول في المسميات للأشخاص ذاتهم وللفكر نفسه!
الغريب في الأمر أن أحداً لم يحاول أن يخرج بقضية العنف والإرهاب في العالم العربي والإسلامي من جدلية تلك التبريرات ليبحث في أسباب أخرى لعلها اجتماعية أو اقتصادية! ولنأخذ على سبيل المثال الظروف التي تزامنت مع تصاعد حدة العنف ودرجته لدى الشباب في دول الخليج وأعني بالتحديد في المملكة العربية السعودية والكويت، حيث ساهم تراجع الوفرة المالية وانحسار الرعاية السكنية والوظيفية للمواطنين وتقلص الفرص الوظيفية إلى درجة انتشار البطالة بصورة واضحة، كل ذلك ساهم في مضاعفة أعداد (المجاهدين)، سواء من الذين توافدوا لنجدة الأفغان من قبضة الشيوعية الحمراء أو من الذين يناضلون لإخراج الكفار من جزيرة العرب!
إن المشكلة الراهنة ليست مشكلة إرهاب أو عنف أو قتل أو تدمير وحسب، وإنما هي مشكلة تحولات جذرية ومخاض عسير بين فكر ساد وفكر لايزال في طور الولادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى