ملفات ساخنة

ماذا قال سلمان رشدي؟

[جريدة القبس 30/8/2022]

في أواخر عام 1989 حاولت أن أقرأ رواية “آيات شيطانية” للكاتب البريطاني – الهندي سلمان رشدي، بعد أن تصدّرت أخبارها إعلام العالم من شرقه إلى غربه، وبعد التظاهرات التي خَرَجَت في عواصم كثيرة تندّد بما جاء في الرواية.
أتذكّر أنني لم أصل إلى منتصف الرواية حين توقّفت عن القراءة، بسبب ضعف النص أدبياً، وغياب الحبكة المشوّقة.
في تلك الفترة أجرت الـ “بي بي سي” لقاءات مع عشرات من المُعتَرضين على الرواية، ليُفاجأ المذيع حين سألهم إن كانوا قد قرأوا الرواية، بأن أغلبهم قد سَمِعَ من صديق أنها رواية تُسيء إلى الإسلام، لكنه لم يَطّلع عليها شخصياً.
اليوم يحدث الموقف نفسه مع المتهم بطعن سلمان رشدي، حيث قال إنه لم يقرأ سوى صفحتين من كتاب “آيات شيطانية”، ومع ذلك فقد استَقَل حافلة حملته من مدينته إلى حيث يُحاضر سلمان رشدي ثم ليطعنه بسكين عشر مرات في الرقبة والبطن، وهو مشهد يُذكّرنا بالشاب الذي قَتَلَ فرج فودة، وبإجابته على سؤال القاضي إن كان قد قرأ كُتب الراحل، حيث قال إنه أمي يجهل القراءة والكتابة، ولا يعلم ما كتب المفكّر الراحل فرج فودة.
الجاهل فقط هو الذي يُحاوِر بالدم والسلاح والعنف، فهي لغة مُختَصَرة وسريعة، بعكس حوار العقل والمنطق والكلمة، الذي يتطلّب اطلاعاً وعلماً وفقهاً بالتاريخ، بل وحتى بالدين أو العقيدة التي يدّعي البعض أنه يدافع بطريق الدم عنها.
والتاريخ البشري مليء بالقصص والحوادث والروايات التي تتناول أمثلة على القتل باسم الدين، فأسهل طريق لتحريض الجُهّال علماً ومعرفة لارتكاب جرائم قتل أو إيذاء للنفس البشرية هو بإقناعهم بأن كاتباً أو مفكراً أو حتى فناناً قد أساء إلى دينهم، فأغلبهم هنا لن ينتظر أن يَتَبَيّن حقيقة ما سَمِع، أو أن يبحث في ما جاء على لسان من نَقَل، أو أن يرد بالحجة على ما ورد من الكاتب أو المفكّر، بل على العكس سيَشتَعِلُ حماساً ويسير بلا هوادة في طريق الدم والعنف.
لقد عانى الأنبياء كلهم من الصلب والقتل والأذى والعنف، ولم نسمع أن أحداً منهم قد رد الإساءة بأسوأ منها، ففي التاريخ الإسلامي حوادث كثيرة تعرّض فيها النبي محمد c للأذى، بل وحاولت قريش اغتياله ولم تَصدر عنه دعوة لمعالجة العنف بالعنف ولا القتل بالقتل، وهكذا كان حال المسيح عليه السلام، الذي ارتقى بدعوته أعلى مرتبات السلم حين قال “أحبوا أعداءكم”.
لقد أعاد هذا الشاب المُتّهَم بطعن كاتب، أصدر رواية يفوق عمرها عمره بسنوات، من جديد رواية متواضعة في محتواها الأدبي إلى صدارة الكتب الأكثر مبيعاً، وأعادت محاولة الاغتيال هنا الجدل حول الأسلوب الحقيقي لنصرة الإسلام والانتصار للعقيدة، وهو قطعاً ما لن تُحقّقه سكين تخترق رقبة كاتب أو روائي، إن لم يكن العكس تماماً، فنحن كمسلمين نجد أننا مضطرون في كل مرة يتكرّر فيها مثل هذا المشهد إلى تذكير العالم بأن الإسلام ليس هكذا، وأن التسامح فيه يغلب العنف، وبأن التطرّف حالة شاذة وخارجة عن إطار تعاليمه الحقيقية.
تقول إحدى النظريات الفلسفية المعروفة باسم “تأثير الفراشة” إن رفرفة جناح فراشة في الهند قد تَتَسبّب في وقوع زلازل وكوارث في أمريكا الجنوبية، بمعنى أن أمراً قد يبدو محدوداً في تأثيره، لكنه يبدو أكثر تعقيداً مما نتصوّر، وهو بالتحديد ما ألمح إليه الكاتب الكبير محمد سلماوي في كتابه “مسدس الطلقة الواحدة: مصر تحت حكم الاخوان”، حين قال: “لقد كانت فتاوى الشيخ عمر عبدالرحمن هي المسؤولة عن اغتيال عدد من كبار رجالاتنا، الذين كان آخرهم الدكتور فرج فودة. وقد لا يعرف البعض أنه هو الذي حرّض أيضاً على محاولة اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ. وحين صرّح بأننا لو لم نتهاون مع محفوظ حين كَتَبَ (أولاد حارتنا)، ما كان سلمان رشدي قد كَتَبَ (آيات شيطانية)، فكان ذلك بمنزلة إهدار دم الأديب نجيب محفوظ” (انتهى).
قطعاً لم يَنتَصِر الشاب هادي مطر ذو الأربعة والعشرين للإسلام، إنما أعاد رواية سيئة إلى صدارة الروايات الأكثر مبيعاً، وأعاد صيغة الإرهاب والعنف لتلتصق مجدداً بالمسلمين. فهل في هذا نصرَة للدين؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى