“أوكلاهوما.. ثمن الزعامة”

ماذا يعني الانفجار الكبير الذي هز ولاية “أوكلاهوما” الأمريكية؟! وهل بالإمكان تصور انعكاسات سواء كانت مباشرة أم لا.. لما حدث في هذه الولاية الأمريكية.. على الأزمات والصراعات الإقليمية في العالم!! حتى وإن كان مقترفو الحادث أتوا من قلب المجتمع الأمريكي؟! قد لا تكون تلك تساؤلات متطرفة في التحليل.. أو بعيدة عن الواقع!! خاصة وأن أمريكا الآن.. وفي ظل النظام العالمي الجديد هي بلا شك مايسترو النزاعات والحروب التي سيطرت على خريطة العالم السياسية في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه!! وهي الحكم في النزاعات الدولية.. وإن كان للأمم المتحدة كهيئة عالمية دور شكلي لا أكثر ولا أقل!! ولعلنا ومن خلال جولة صغيرة حول النزاعات التي اشتعلت مع فجر ولادة النظام العالمي الجديد نستطيع أن نجزم وبموضوعية تامة.. أن ميزان العدل الأمريكي في الحكم بتلك النزاعات لم يكن مثالياً.. وعادلاً!! بل ويمكن القول أن درجة انحرافه قد أساءت بالفعل وشوهت المبادئ الرئيسية التي دشنها القانون الأمريكي للنظام العالمي الجديد!! ففي البوسنة لا تزال المذابح هي السمة البارزة للصراع القائم هناك” رغم التحذير الأمريكي بالتدخل العسكري لإنهاء تلك المذابح ووقف اعتداءات الصرب!! أما في الصومال.. فقد تدخلت أمريكا عسكرياً في عملية إنقاذ.. فأتلف جيشها بما خلق وعزز من صراع داخلي.. أكثر مما كان قائماً فيما قبل العملية الإنقاذية!! ثم تذرع النظام الأمريكي الجديد بالديمقراطية.. وأشعل أزمة “هاييتي” وما تبعها من تفاعلات لاجئي القوارب.. التي أثارت دعاة الحقوق الإنسانية.. نظراً لظروف احتجازهم البشعة وأيضاً هبت أمريكا.. وبدافع الحس الديمقراطي ذاته لتساند الرئيس الروسي “يلتسين” في قمعه لانتفاضة البرلمان!! وانقلب ميزان العدل الأمريكي تماماً من خلال الموقف الأمريكي من الاجتياح التركي للشمال العراقي.. والمذابح الجماعية للأكراد!! ثم في تعزيز (الحق) الإسرائيلي بالتفوق النووي.. وتتويج إسرائيل ذئباً وسط قطيع من الأغنام العربية الأليفة!!
قد لا تكون العلاقة ساطعة بين الانفجار الكبير في الولاية الأمريكية “أوكلاهوما” وبين ما سبق من صراعات وقلاقل في العالم من حولنا!! وإن كان بإمكاننا التنبؤ.. بانعكاسات خطرة لأحداث كحادث انفجار “أوكلاهوما”.. ومن قبله “مركز التجارة الدولي”!! على مسار الأحداث في العالم!! قد تؤدي إلى تراجع للدور الأمريكي في النزاعات الدولية!! وهو أمر قد يخلق ظروفاً أسوأ بكثير من الظروف التي أفرزها الخلل في ميزان العدل الأمريكي بتعامله مع القضايا العالقة!! وذلك يذكرنا ويحذرنا في آن واحد بالتراجع الأمريكي إبان الأزمة الاقتصادية الكبرى في العام 1929.. وانعزال أمريكا عن إدارة دفة العلاقات والأزمات الدولية آنذاك!! وما خلفه ذلك الانغلاق من فراغ دفع بطموح “هتلر” إلى النمو على ما رأيناه في رواية التاريخ!!
قد لا يعود التاريخ بذات التفاصيل وإن كان دوماً يقف شاهداً.. لمن يريد أن يتعظ ويتعلم!! وإذا كانت الانعزالية الأمريكية في ثلاثينات هذا القرن قد كلفت البشرية ملايين الضحايا.. من خلال حرب أشعلها طموح ألماني شرس!! فإن الانغلاق الأمريكي الآن.. سيكلف البشرية وجودها بأكمله خاصة في ظل التطور التكنولوجي المخيف لآلة الحرب والدمار!! هذا بالإضافة إلى أن الطامحين الآن للانغلاق والانشغال الأمريكي.. يسيطر عليهم الطموح الهتلري.. نفسه والنزعة النازية العنصرية نفسها!! قد يأتي “جيرنوفسكي” كواحد منهم.. وإن كانوا أكثر من أن يحصوا!! خاصة مع سيطرة عنصر الانتقائية على السياسة الأمريكية الخارجية.. بدرجة أصبحت تثير نزعات عنف.. وتأهب من قبل بعض الطامحين!! قد يكون التاريخ.. وقد تكون القوة.. أو هي التكنولوجيا وتصدر الثورة المعلوماتية!! قد يكون أي من تلك العوامل جعل أمريكا تتصدر إدارة العالم.. وتكون القاضي في نزاعات وخلافات الدول فيما بينها وقد تكون كل تلك العوامل مجتمعة!! فقد لا يهم كثيراً الآن كيف أصبحت أمريكا هي الحكم.. فذلك أضحى تاريخاً علينا أن نتمعن جيداً في تفاصيله.. لنتعظ.. ونتعلم منه!! غير أن ما يهم الآن.. هو القول بأن أمريكا لا تملك الحق في الانتقائية.. على الأقل في الجانب الأخلاقي من القضية!! كما وليس في استطاعتها الانغلاق!! خاصة وأن الثمن الذي ستدفعه البشرية من جراء ذلك.. سيهدم المعبد على شمشون ومن معه!! فقد يثور الشارع الأمريكي لحادثة “أوكلاهوما”.. مطالباً بعدم التدخل في نزاعات وشؤون الغير!! وقد تطالب الإدارة الأمريكية بوجوب دراسة القضايا الدولية كل على حدة.. وبانتقائية تفرضها المصلحة!! لكن الواقع حتماً سيسير وفق منطق العلاقة.. وتداخل المصير البشري!! وسيبقى الجسد البشري عليلاً.. طالما أن جزءاً – حتى وإن كان يسيراً منه – في حالة شكوى وألم!!