ملفات ساخنة

“شرم شيخ”…. بالعربية

[جريدة الطليعة 3/7/1996]

من السذاجة بمكان اعتبار الانفجار الذي هزّ مدينة “الخبر” بالسعودية، حدثاً وشأناً داخلياً بحتاً، ومن السذاجة أيضاً أن يتبنى أحد كائناً من كان الإرهاب والعنف أسلوباً ووسيلة للتغيير ونهجاً للإصلاح، سواء كان ذلك على مستوى الأنظمة السياسية أم على مستوى شعوبها!
ولعلّ حادث السعودية الأخير يدفعنا لأن نباشر في اتخاذ موقف جدي وناضج تجاه منابع ومسببات الإرهاب والعنف، وبأسلوب متواصل يعمل على ربط كل أحداث العنف الأخيرة في المنطقة، والعودة بها إلى أصولها، حتى لا يكون تعاملنا معها كجرائم فردية نابعة من العدم، وقادمة من اللا شيء!!
فإن يقدم شخص أو جماعة على عمل كهذا وهو مدرك جيداً حجم المخاطر التي قد يجابهها وما قد يترتب عليها من دمار سواء كان لأفراد ومدنيين أبرياء أم كان عليه شخصياً فيما لو أدين وتم التوصل إليه!! نقول: أن يستمر عنف البعض رغم كل تلك الظروف يعني بلا شك أن محركات العنف ومثيراته هي أقوى بكثير من مقومات الردع والعقوبة، وأن هناك وبكل تأكيد خللاً جسيماً في بنائنا يتطلب منا إجماعاً على المباشرة بالدخول فوراً إلى سراديب العنف والإرهاب، للوقوف على تلك الدوافع التي تجعل من الدماء والأشلاء المتطايرة مطلباً وهدفاً أساسيين للبعض!!
حين اجتمع زعماء ورؤساء العالم في قمة “شرم الشيخ” كان هدفهم التنسيق والتعاون لمواجهة الإرهاب والعنف الذي أصبح آفة تشكو منها تلك الدول… وهم حين اجتمعوا، وضعوا تعريفهم الخاص بهم للإرهاب والعنف، فكانت أولى جبهاتهم في أعقاب انتهاء مؤتمرهم، هي قرية “قانا” الجنوبية البائسة. فكان أن حدث ما حدث.
نحن الآن في العالم العربي أصبحنا بحاجة ملحة إلى عقد قمة مشابهة لقمة “شرم الشيخ” على أن تكون ناطقة بالعربية. قمة يكون هدفها البحث في مسببات العنف والإرهاب لا في شخوصه. قمة تكون نابعة من الظروف المحيطة بالمواطن والمجتمع العربي حتى يكون لحديثنا صدى مفهوم.
فعلى الرغم من أن الغموض لا يزال يسيطر على هويات مرتكبي تفجير “الخبر” الأخير، إلا إن المؤشرات كلها، بما فيها سابقة التفجير الأول في السعودية في نوفمبر الماضي تشير إلى جماعات وتنظيمات إسلامية مسيسة من التي تتبنى فكر الصحوة و(الجهاد) والتكفير ومن ثم التغيير بالقوة. وهو ليس اتهاماً بقدر ما هو استنتاج تفرضه مؤشرات ودلالات كثيرة.
ولكن ما الذي جعل مؤسسات الحكم العربية عاجزة عن التصدي للتيارات الأصولية وحركات الإسلام السياسي على الرغم من خبرتها الطويلة في القمع والكبت!
فبينما شهدت المجتمعات السياسية العربية إجراءات قمع واسعة خلال الخمسينيات والستينيات بل وإلى مطلع السبعينيات ضد التيارات الليبرالية اليسارية، تفاوتت بين اعتقالات وتصفيات، تقف تلك المجتمعات السياسية الآن عاجزة عن التصدي للحركات الأصولية، على الرغم من أن أهدافها وطموحاتها السياسية واضحة وجلية ولم يفلح الرداء والستار الديني والعقائدي في تمويهها.
قد تكون تلك التساؤلات بحاجة إلى بحث دقيق للوقوف على إجابات وافية وشاملة لها، وإن كانت سهولة الخطاب الديني تأتي في مقدمة تلك الأسباب، حيث يتم استقطاب آلاف وآلاف من الشباب من خلال إقناعهم بأن المشكلة الأساسية هي في الابتعاد عن نهج الله وسنة رسوله، وأن الحل الوحيد هو في تطبيق الشريعة الإسلامية!!
إن أسباب ودوافع الإرهاب والعنف في مجتمعاتنا العربية، هي لا شك مختلفة عن تلك الأسباب في المجتمعات الغربية والصناعية، ومن الخطأ أن نتبنى أسباباً كمشاهد العنف والقتل في التلفزيون، أو انتشار المخدرات، بكونها أسباباً للعنف في مجتمعاتنا العربية، بينما نصف مواطني العالم العربي لا يملكون أجهزة تلفزيون، ونصفهم الآخر بالكاد يملك ما يسد رمقه، ناهيك عن الحصول على المخدرات!
العنف والإرهاب ظواهر مركبة من الصعب جداً القول بأسباب واحدة لها، غير أن نتائجها وسلبياتها، بما جلبته من دمار في النفس وتدمير في المال والأرض، تفرض علينا اليوم أن نتصدى لأسبابها الكامنة في بنائنا، لا في مسبباتها الوقتية والمتفجرة عن مواقف وظروف آنية وحسب. وهو أمر أصعب وأشق من أن تتحمله دولة واحدة فقط، بل يتطلب الأمر هنا إجماعاً وتعاوناً عربيين للوقوف على أسباب العنف الكامنة تحت كل بناء سياسي عربي.
نحن جميعاً ندين الإرهاب الذي وقع في السعودية لأن الإرهاب والعنف هما سلاح الضعفاء الذين يخشون المجابهة، ونتمنى جميعاً لو أننا تجاوزنا مرحلة الإدانة هذه المرة، وأعلنا “شرم شيخ” باللغة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى