ملفات ساخنة

العالم بين شكسبير وصدام حسين

[جريدة القبس 21/1/2004]

لم يعد الإرهاب بشكله الحالي شأناً داخلياً أو حتى مأزقاً إقليمياً قاصراً على بقعة معينة من العالم، أصبح الإرهاب اليوم هماً عالمياً يؤرق كل دول العالم على اختلاف سياساتها ومواقعها الجغرافية ويؤثر مباشرة في برامجها التنموية ومشاريعها الاقتصادية! اليوم لم تعد هنالك دولة واحدة محصنة ضد الإرهاب مهما بلغت قوتها واستعداداتها العسكرية، ولعل ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وما تبعه من تداعيات ومن أحداث إرهابية وتفجيرات في إندونيسيا وفي المملكة العربية السعودية، يؤكد أن لا أحد على الإطلاق أصبح محصناً ضد إرهاب العصر الحديث، فمنذ الانفجار الكبير في نيويورك عام 2001 شهد العالم 15 هجوماً كبيراً في مناطق مختلفة سقط فيها الكثير من الضحايا الأبرياء في تونس وكراتشي وإندونيسيا ومومباسا والرياض والمغرب وتركيا! وقد نسبت كل تلك العمليات إلى تنظيم “القاعدة” الذي لا ينفي ذلك وإنما يؤكده من خلال الإعلان عن مزيد من الهجمات العنيفة عبر موقعه على الإنترنت!
تهديدات “القاعدة” بالمزيد من الإرهاب والعنف دفعت العالم إلى مضاعفة إجراءات الأمن والرقابة، خاصة بعد أن اتضح مدى ترابط وتواصل الخلايا المنتشرة في دول منفصلة جغرافيا، وأصبحت ملاحقة الإرهابيين تمر بأكثر من عاصمة ودولة، فمن لندن إلى ألمانيا، ومن تركيا إلى هولندا، وهكذا أصبح العالم في مواجهة شبكات منظمة ومنفصلة تتسلح بأدوات العنف والإرهاب في إرساء صوتها ورسائلها!
وإذا كانت كل دولة مهددة الآن بعمليات إرهابية مشابهة للعمليات التي حدثت في الولايات المتحدة أو في إندونيسيا أو في المملكة العربية السعودية، فمن المنطقي إذاً لا مخرج من ذلك إلا إذا جاءت مواجهة هذا الإرهاب عبر جهود دولية واحدة وتنسيق يسهل عبور المعلومة ويضيق الخناق على الخلايا الإرهابية المتنقلة عبر الحدود الجغرافية والسياسية!
إن التعاون الدولي المنشود لمواجهة إرهاب العصر الحديث أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل، خاصة حين يتم رصد الأضرار التي سببها الإرهاب للعالم بشكل عام، فبالإضافة إلى الخسائر البشرية، هنالك خسائر اقتصادية بسبب مضاعفة الإجراءات الأمنية والمخابراتية لرصد الإرهابيين، وأيضاً ارتفاع السلع التجارية بسبب ارتفاع تكلفة التأمين بفعل التحذير من السفر إلى دول معينة، وغير ذلك من تداعيات خطيرة كانت أكثر بروزاً في بعض الدول الفقيرة والنامية!
لا شك في أن العالم بأكمله يقف اليوم أمام مهمة حساسة للغاية ومنعطف خطير بين التشدد الرقابي لمواجهة آفة الإرهاب، وبين المحافظة على المكتسبات الديمقراطية والحريات بكافة أشكالها! فهؤلاء الإرهابيون جاءوا نتاجاً طبيعياً لغياب الحريات في مجتمعاتهم، فكان أن أشهروا سلاح الدمار والعنف حين عجزوا عن المواجهة الذهنية بالحوار! وعلى المجتمع الدولي ألا يخاطر بمكتسباته الحضارية في التعامل مع إرهاب العصر الحديث حتى لا تتضاعف الخسائر، وإنما يكون التعامل من خلال مساعدة المجتمعات التي أفرزت هؤلاء الإرهابيين لبناء مؤسساتها الديمقراطية وصياغة دساتيرها والتعامل مع شعوبها، وفيما بينها، ضمن إطار واضح وصريح يقر بالحقوق البشرية.
اليوم يقف العالم بأكمله على خطوط المواجهة بين مكتسبات البشرية وإرثها الحضاري عبر تاريخها الطويل، وبين ذيول الإرهاب والاستبداد وأدواته المدمرة! شكسبير وطه حسين وأحمد زويل في كفة وصدام حسين وبن لادن والظواهري في الكفة الأخرى! وترجيح أي من الكفتين سيكون المهمة والمسؤولية الأولى لكافة أعضاء المجتمع الدولي وشعوبه دون استثناء!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى