من يقتل من في الجزائر؟

من المسؤول عن القتلى الذين خلفتهم العملية الانتحارية مؤخراً.. في الجزائر؟! لمصلحة من يتم تفجير سيارة مفخخة بمئة كلغ من مادة “TNT”.. لتحصد أرواحاً لا تزال أعدادها في ارتفاع وتجرح من تجرح!!
فبينما يصف الرئيس الجزائري الأمين زروال منفذي عملية التفجير بأنهم “وحوش” متعهداً بالقضاء عليهم!! يرتفع صوت الشيخ “بحاج” مهدداً بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستزيد الأزمة استفحالاً وخطورة!! وفيما بين الخصمين يرتفع صوت مواطنة جريحة تطلب وقف إراقة الدماء.. مؤكدة أنها لا ترغب سوى أن تعيش وأولادها في طمأنينة!!
يعلم الجميع، كما يعلم المتصارعون في الجزائر، أن تطبيق الشريعة ليس في قمة أهداف الجماعات الإسلامية.. وأن هناك جذوراً تاريخية دفعت بالجزائر إلى الدخول في ما يشبه الحرب الأهلية.. إذا جاز التعبير!!
الجزائر، شأنها شأن الدول العربية الأخرى، شهدت عدة انقلابات عسكرية ومنذ استقلالها في العام 1962!! وكما هو معروف فإن للجيش في الانقلابات العربية مكانة تشبه إلى حد كبير مكانة السلالة الملكية في الخلافات الوراثية!!
وعلى الرغم من أن الجزائر كانت تعتبر جمهورية تقدمية، وحاولت أن تحقق تغيرات جذرية ضد النظم العسكرية!! إلا أن حظها من الانقلابات العسكرية كان وافراً!! بل لقد كانت العودة إلى النظم العسكرية تأتي في كل مرة يحدث فيها تغيير لنظام الحكم بطريقة سلمية.. ووفقاً لقواعد الدستور!!
الصراع على السلطة في الجزائر كان دوماً صراعاً بين طبقات اجتماعية مختلفة وقوى اجتماعية تشكل أساس تكوين المجتمع الجزائري.. والذي لا تزال القبائل البدائية تحتل حجماً كبيراً في تكوينه!!
في كتاب “أنماط الاستيلاء على السلطة” للكاتب صلاح سالم، يذكر الكاتب نمط الصراع في الجزائر خاصة ذلك الذي ميز فترة حرب التحرير حيث بدأ الصراع في الحالة الأولى بين قيادات جيش الحدود وعصابات التحرير في الداخل وانتصر جيش الحدود بقيادة أحمد بن بلا، الذي أسس أول حكومة منتظمة في الجزائر بعد الاستقلال!! ثم جاء الصراع في الحالة الثانية بين قيادات جيش التحرير، والتي كانت تضم انتماءات طبقية متباينة، ليأتي “هواري بومدين” الذي تقلد السلطة كرئيس لمجلس قيادة الثورة في الجزائر!! أما في المرة الثالثة فقد انفجر الصراع بين الأجنحة المختلفة لقيادة مجلس الثورة والمكتب السياسي لجبهة التحرير، الذي كان محصوراً بين الجناح السياسي الذي يعمل على تقوية دور الحزب، والعسكري الذي يريد تقوية دور الجيش!!
البعض يرى أن العنف في الجزائر هو امتداد لسخط القوى الاجتماعية الذي أشعل الصراعات من قبل في الجزائر!! وهو استمرار للصراع الدائم بين الحزب والجيش، الذي يحاول بدوره تسخير الظروف الراهنة، وذلك من خلال التأكيد على أن الجيش الجزائري ما زال هو القادر على وضع اللمسات الأخيرة في ترتيبات الخلافة السياسية!!
ليس لأحد حق في تبرير العنف الدائر في الجزائر وإن كانت مسؤولية الجميع تفسير أسبابه والوقوف على دوافعه!! والأزمة الاقتصادية السائدة في الجزائر.. تحمل من المسؤولية ما يحمله الفساد الذي استشرى في قمة السلطة في الجزائر!!
قد يكون من الصعب الآن التكهن بكيفية انتهاء الوضع القائم في الجزائر!! فالعوامل التي فجرت الأحداث أصبحت تغوص في الكيان الاجتماعي والسياسي للدولة!! وشيئاً فشيئاً أصبحت الظروف التي مهدت للانفجار تبتعد زمنياً!! مما يجعل العلاقة بين الأزمة الاقتصادية والفساد وتدهور أسعار النفط. والتقشف الذي فرضه صندوق النقد الدولي.. وسيطرة بعض رموز النظام ونخبته على التهريب والسوق السوداء التي أصبحت متنامية منذ الثمانينيات!! كل ذلك قد يبدو بعيداً عن الدوافع التي تدفع بفتيان الجماعات الإسلامية إلى تفجير أنفسهم انتحاراً.. أو بذر الرعب والعنف والقتل في مجتمعهم!! بعد أن أسقط في أيديهم.. ولم يعد هناك ما يخافون عليهم.. أو ما يأملون به!!
من منطق الحياة والطبيعة أن الانفجارات الكبيرة.. هي دائماً بفعل أحداث صغيرة!! والانفجار الكبير اليوم الذي تشهده الجزائر.. لم يأت بسبب إلغاء انتخابات.. ولا بفعل صراع سياسي بين حزبين متصارعين!! الانفجار في الجزائر هو نتيجة لتراكم أخطاء (صغيرة) وفساد سياسي واقتصادي، استشريا في المجتمع الجزائري.. وأصبحا في قمة السلطة!! وصارا العملة الرائجة في مجتمع من يقتل من؟؟!