كنا جميعاً في حي (العليا)

حاولت أن أجد تعليلاً أو تفسيراً واحداً في كل ما قرأت للتفجير الذي حدث في حي “العليا” في قلب مدينة الرياض بالسعودية.. فلم أجد!! كل ما كُتب.. وكل ما قيل.. كان تفاعلاً وتضامناً عاطفياً مع السعودية.. لا غير!! وكل الأحاديث عبرت بمشاعر جياشة.. عن نبذها الإرهاب واستنكارها ما حدث في المملكة العربية السعودية!!
الاستنكار واجب دبلوماسي.. وبروتوكل تلتزم به الدول في علاقاتها مع الدول الأخرى!! لكن الاستنكار وحده سلاح العاجز!! وحجة الضعيف!! فعلى قدر ما عبر العرب في استنكاراتهم العديدة للوجود الصهيوني على الأرض العربية!! إلا أنهم لم يتفقوا على طريق واحد لإنهاء ذلك الوجود!! فكانت النتيجة كما نراها ونعيشها جميعاً الآن!!
التفجير الأخير في قلب “الرياض” يحمل في إطاره مؤشرات خطر ورسائل ليس للمملكة السعودية وحدها وحسب.. وإنما لمنظومة دول الخليج خاصة.. كما لدول العالم العربي بصفة أشمل!!
خطورة الحادث.. ليست في كونه أودى بحياة أبرياء عزل فقط على الرغم من بشاعة ذلك.. وإنما لأنه قد استطاع أن يخترق أكثر الأجهزة الأمنية حصانة ومتانة!! هذا بالإضافة إلى أن أداة الحادث تدل على أن مرتكبيه ليسوا أفراداً وحسب.. بل تنظيماً له امتداداته التي لا تعترف بجغرافية الحدود!!
حادث (العليا) يتطلب منا جميعاً ساسة ومدنيين.. إعادة نظر جدية لأمور كثيرة في بنائنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي!! خاصة أن ذلك أمر لم يعد يحتمل مزيداً من التأجيل؟!! وأيضاً إذا ما أدركنا أننا جميعاً مستهدفون من وراء حادثة (العليا)!!
فالتشابه الكبير في البُنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدول الخليج.. يجعل من تفسير كهذا منطقياً جداً!!
فهنالك تفاوت طبقي أصبح ظاهراً مع توسع وتشعب المجتمعات في الخليج فيما بعد حقبة النفط!! وهنالك تراجع كبير في الطبقة الوسطى – عماد استقرار المجتمع – وذلك لأخطاء جسيمة في برامج التنمية!! وهنالك أيضاً تململ سياسي أصبح واضحاً للعيان لأسباب تتعلق بخلل في برامج الديمقراطية والحرية المتواضعة في مجتمعات الخليج!!
يقال إن الأسد الشبعان حيوان أليف.. كذلك المواطن في أي مجتمع كان!! فاستقرار المجتمع هو بلا شك مكسب لكل فرد فيه.. هذا إذا ما شملت عوائد ذلك الاستقرار.. أفراده جميعاً!! بينما يتساوى الأمر لدى من يتم استثناؤهم من أي عائد اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي!!
إن ذلك ليس بمحاولة لخلق أعذار للمخربين أو للإرهابيين أو لمحترفي العنف!! بقدر ما هي مطالب يرفعها كل مواطن أصبح يخشى أن يأتي يوم لا يعود فيه أبناؤه من رحلتهم المعتادة إلى مدارسهم!! مطالبهم أن يطال علاج الإرهاب جذور الداء لا إفرازاته وتقيحاته!!
ساذج من يرى في الإرهاب خطراً على فئة معينة في المجتمع.. أو نظام سياسي قائم.. فالإرهاب أياً كان تبرير مرتكبيه هو في نهاية الأمر وبال ودمار للمجتمع بأفراده وبرامجه ومستقبله!!
قد يكون لحادث (العليا) بالرغم من بشاعته وعنفه.. جوانب إيجابية على دول المنطقة.. خاصة أنه قد جاء – وقد تكون مصادفة – ليجيب على عجز دول الخليج عن الخروج بموقف موحد تجاه الإرهاب في مؤتمرهم الذي أدلى ببيانه الختامي قبيل الانفجار!!
العنف طاقة بشرية طبيعية.. يمكن توجيهها لتصبح ذات مردود إيجابي على الفرد والمجتمع في آن واحد!! فجميعنا يتذكر جيداً أن الطالب الأكثر شغباً هو دائماً الأكثر ترشيحا ليكون رقيباً لفصله!!
في محاضرة لـ “ريتشارد مورفي” المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي.. والرئيس الحالي لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن.. بعنوان “القراءة الخاطئة للشرق الأوسط”. قال “مورفي”: إن أحد الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية في الشرق الأوسط.. أن التركيز كان دائماً على معالجة الإرهاب.. بحيث لم يُبذل أي جهد لفهم حوافز الإرهابيين.. مما جعل الكثير من الأبرياء يذهبون ضحايا ذلك الخطأ!!
وهو الخلل ذاته الذي نعاني منه في مجتمعاتنا العربية بشكل عام. والمجتمع الخليجي بوجه خاص!! خاصة أن بنية المجتمعات الخليجية ملأى بالثقوب التي يستطيع أن ينفذ منها العنف والإرهاب!!
هنالك حاجة ملحة لإعادة نظر في البناء السياسي والاقتصادي لدول الخليج.. خاصة بعد أن بدأت الثروة في التناقص تدريجياً!! فنحن لا نملك خططاً لمواجهة البطالة.. والتي تقول التكهنات إنها حاضرة في مجتمعاتنا الخليجية رغم الرفض المستمر للإقرار بها!! ونحن لا نملك خطط تعليم واضحة.. ومتطورة.. توفر عناصر منتجة!! كما أننا مقصرون جداً في وضع برامج تنمية مستقبلية!! وليس بحوزتنا تصور شامل وواحد لمخطط أمني يضمن استقراراً وأمناً مستقبلياً!! ولا تتوافر في مجتمعاتنا الخليجية أدنى مقومات الحرية.. والتي هي معول وأداة تحقيق كل الطموحات البشرية!! تلك جميعها احتياجات بشرية مجتمعية أساسية!! وإذا كان المثل الشائع يقول إن الحاجة هي أم الاختراع.. فإنها أحياناً قد تتبدل وتصبح معها الحاجة مستودع العنف والإرهاب!! وهو مستودع لا يعترف بحدود سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية!! وحده فقط الوعي إلى أننا كنا جميعاً مستهدفين من وراء حادث (العليا).. سيجعلنا جميعاً مدركين لحجم ومخاطر الإرهاب والعنف!!