“داعش”.. صناعتنا نحن

منذ أن ظهر تنظيم داعش، وأصبح ظاهرة سياسية وعسكرية وإعلامية، والتحليلات والتأويلات بشأنه لم تتوقف يوماً!
الكل يتساءل عما إذا كان “داعش” كياناً غريباً على المنطقة وثقافة المنطقة، أم أنه نتيجة طبيعية لأزماتنا الفكرية والسياسية والعقائدية والاجتماعية؟
المشاهد الدموية التي يبثها “داعش” عبر شبكاته الإلكترونية، جعلت مجموعة كبيرة من المحللين والمثقفين العرب ترى فيها صناعة غربية وأمريكية، بل بالغ بعضهم في هذا التصور، بأن وصف “خليفة المسلمين” البغدادي بأنه من صناعة إسرائيل، والموساد بالتحديد!
الذين يهوون “نظرية المؤامرة” لتفسير ظاهرة “داعش”، عليهم أولاً أن يتابعوا مشاهد الدم في سوريا والعراق، وعمليات القصف اليومي وقتل الأبرياء والأطفال بالأسلحة الكيماوية، وتهجير الملايين من كلا البلدين، وكلها مناظر كفيلة بأن تحوِّل أغلب من يشاهدها إلى “داعش”، أو مدافع عن “داعش”! فأربعة أعوام من الأنهار الدموية التي تسيل في سوريا، وأربعة أعوام من مشاهد الأطفال والشيوخ والمستضعفين وهم يلهثون بحثاً عن مخيّم يؤويهم وغطاء يحميهم برد الشتاء وحرارة الصيف، أربعة أعوام وكل ما يفعله العالم بمؤسساته المدنية والرسمية هو الشجب والاستنكار وإبداء الأسف! أربعة أعوام من هكذا واقع، كفيلة بأن تحوِّل الشباب العربي بأكمله إلى جنود في صفوف “داعش”! خاصة أن دموية “داعش” هنا لا تختلف كثيراً عن دموية الجيوش العربية، التي لم تحقق انتصاراً أبداً إلا على شعوبها المستضعفة!
أما الذين يستنكرون فكر “داعش” المتخلف والرجعي الذي يقمع الحريات والمرأة، فعليهم أن يتذكروا أولاً أن قمع المرأة متجذر أساساً في الوعي العربي، وأن ممارسات “داعش” القمعية قد استحدثت (شرعيتها) من منظومة أيديولوجية مسيطرة على المجتمع والنظام العربي بشكل عام!
أفكار “داعش” التي أصبحنا نرى فيها اليوم أفكاراً إرهابية وغريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، هي للأسف ليست كذلك، فمثل هذه الأفكار موجودة أصلاً وممارسة، وإن كانت بصيغ دبلوماسية!
قطعاً لو كان العالم العربي عالماً تحيط به أنظمة ديمقراطية، وعدالة اجتماعية حقيقية، وفكر قائم على التعددية الدينية والعقائدية والسياسية، لما استطاع “داعش” أو غيره أن يجد صدى داخل قلوب الشباب العربي اليائس والمقموع!
“داعش” إذاً ليس صناعة أمريكية، ولم يخترعه الموساد، وإنما هو نتاج طبيعي لعنف سلطوي بشع، وفساد سياسي واقتصادي أبشع، وإهانة للكرامة البشرية، والحق الإنساني في التمتع بأبسط الحقوق الإنسانية!