حرب الإرهاب والتسامح

هل انتصر الإرهاب على فلسفة التسامح التي تتبناها دول أوروبية كالمملكة المتحدة؟
الإجابة هي قطعاً “نعم” فالانقسام داخل المجتمع السياسي البريطاني أصبح واضحاً كل الوضوح وعلنياً بصورة أفرزت انقساماً داخل المجتمع السياسي البريطاني بين توجه يتبنى سياسة جديدة تبيح اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لمحاربة الإرهاب، تسمح لبريطانيا بطرد الذين يحضون أو يتعاطفون مع العمليات الإرهابية أو مرتكبيها! وبين توجه آخر يرى أن بريطانيا يجب ألا تقامر بسمعتها كدولة متسامحة ومضيفة للمضطهدين سياسياً واجتماعياً في دولهم.
الذين زاروا بريطانيا بعد تفجيرات لندن في السابع من يوليو الماضي لا شك أنهم قد أدركوا أن كفة المتشددين قد رجحت، وأن بريطانيا قد غيرت بالفعل قواعد اللعبة، وكما صرح بذلك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، الذي عرض سلسلة من الإجراءات الجديدة لمنع أي متطرفين إسلاميين يحضون على العنف من الإقامة في بريطانيا.
إن أي شخص يتورط في نشاطات إرهابية أو هو مرتبط بها في أي مكان، لن يكون بإمكانه الحصول على حق اللجوء فيها.
لقد خلقت ثقافة التسامح في أوروبا، والتي برزت كردة فعل للصراع الديني الشرس الذي قسم أوروبا، وأشعل الحروب فيها، خلقت ثقافة اتسمت بالتسامح الذي كان في بدايته تسامحاً دينياً، قبل أن يصبح ثقافة مجتمعية نتج عنها يقين المجتمعات الأوروبية بأهمية الحريات البشرية بكل أشكالها، سياسية كانت أم فكرية أم دينية وثقافية، وبالطبع فقد انعكست تلك الثقافة على توجهات أخرى كثيرة كالإيمان بالعمل التطوعي وخدمة المجتمع وغير ذلك من أمور رسختها ثقافة التسامح تلك.
حين هز صخب الحادي عشر من سبتمبر قلب المجتمع الأمريكي كان هاجس البعض أن يرتد ذلك الحدث فيصيب ثقافة الحرية في أمريكا! وهو بالفعل ما حدث، فقد أدرك الشعب الأمريكي الكلفة الباهظة لتحديث الاستعدادات الأمنية داخل الولايات المتحدة لضمان عدم تكرار ما حدث، حيث أصبحت الدواعي الأمنية مرادفاً لإجهاض حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية، وعادت الولايات المتحدة إلى عهد الستينيات حين كانت وكالة الاستخبارات المركزية جزءاً أساسياً من تفاصيل الأحداث السياسية والأنشطة بجميع أشكالها.
والآن تتعرض بريطانيا بعد السابع من يوليو إلى المناخ السياسي المتشنج نفسه، والذي أتت أولوياته في التراجع عن الإرث البريطاني الشهير الذي طالما ميز المملكة المتحدة بكونها أرض من لا أرض له، وملجأ من لا حق له! فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني بلير عن عزم الحكومة على تعديل القانون حول حقوق الإنسان، بالإضافة إلى عشرات الإجراءات التي سيتم اتخاذها لتسهيل طرد كل من وما من شأنه أن يشكل خطراً على الأمن القومي البريطاني.
فهل ستحمل مثل هذه الإجراءات الأمنية تقويضاً للحريات ولثقافة التسامح سواء في الولايات المتحدة أو في بريطانيا؟ سؤال ينتظر الكثير إجابته، وهم يراقبون كلا المشهدين، وإن كان أكثرهم يرون أن الإرهاب قد حقق انتصاره المنشود – أو على الأقل في المرحلة الراهنة – حين هز أركان ثقافة التسامح والحريات، التي هي من أبرز ملامح الإرث الأوروبي – الأمريكي.