سلام الاستقراطية الفلسطينية

سلام الاستقراطية الفلسطينية
أعتقد بأنه يجب أن لا نسمح لأحد بأن يخدعنا ويدعنا ننشىء جيشاً نبدد في سبيله أموالنا على شراء ” الفانتوم ” والدبابات والأسلحة. نحن بحاجة كي نقيم صناعة، وكي نرفع من مستوى شعبنا، من استيعاب اللاجئين. ولسنا على استعداد لتضييع أموالنا في شراء أسلحة يربح بسببها الغير. ثم يقوم هذا الغير عندما يريد، بتدميرها.
ذلك كان مفهوم أمن الدولة الفلسطينية التي ستقوم “بجهود” مباحثات السلام، وكما أوجزها – فيصل الحسيني – في حديث له مع “الشرق الأوسط” بتاريخ 29/3/91. و”فيصل الحسيني” هو أحد الارستقراطيين الفلسطينيين الذين أخذوا على عاتقهم المساهمة في تحويل مسار الصراع العربي – الإسرائيلي باتجاه تسوية شاملة. تقوم على أساس “الأرض مقابل السلام” والذي هو جوهر عملية السلام التي ترتكز على قراري مجلس الأمن رقم 242، 338.
والأرض التي هي هدف مفاوضي السلام من العرب.. هي أرض هزيمة 67.. وليست الأرض التي أشعلت شرارة الصراع العربي – الإسرائيلي. ومهما يكن الأمر.. فإن الأرض التي هي محور الجهود العربية الداعية للسلام.. لا تزال من وجهة النظر الإسرائيلية.. مناطق أمنية يعمد الجيش الإسرائيلي على تحويلها إلى قواعد عسكرية. وذلك عن طريق تسليح المستوطنات التي غطت مساحات شاسعة منها منذ أن خرج العرب منها في العام 67.
لا أحد يذكر مقدار التنازلات التي يقدمها الوفد الفلسطيني المفاوض مقابل التعنت الإسرائيلي. وذلك في سبيل إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة.. وهي تنازلات مصيرية يقدمها أرستقراطيو الشعب الفلسطيني مثل “حنان عشراوي” و”فيصل الحسيني” وغيرهما من الذين لم ينشأوا في أزمة المخيمات الفلسطينية.. وقد تعتريهم مشاعر الإنسان الفلسطيني المشرد حقيقة.
لقد جاءت محاولات إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي كنتيجة لعوامل عديدة ميزت هذه المرحلة من التاريخ.. قد يكون من أبرز تلك العوامل تدهور وانهيار القوة العربية الوحيدة التي كان بالإمكان تجنيدهافي عملية الصراع. وهي القوة العسكرية العراقية.. والتي بسقوطها في عملية تحرير الوطن.. سقطت إمكانية استمرار الصراع، خاصة وأن العراق وحتى قبل أحداث غزو الوطن. في موقف أقوى من الموقف السوري.. من حيث قدرته على المبادرة من منطلق القوي كامل السيادة، ثم يجيء انهيار الاتحاد السوفيتي.. وانتهاء الحرب الباردة.. ومن ثم انهيار الكثير من إفرازاتها ورموزها.. والتي يعتبر الصراع العربي – الإسرائيلي واحداً منها.
وإذا كانت تلك العوامل.. وغيرها من العوامل الثانوية.. قد ساهمت في تحويل مسار الصراع العربي – الإسرائيلي، فإن المشاورات العربية الثنائية التي تمت مع الولايات المتحدة بهدف تحريك عملية السلام.. ثم احتكار الوفد الفلسطيني والذي لا يمثل كافة المواقف الفلسطينية لكافة القرارات في مؤتمر السلام.. كلها عوامل قد توجه مسار الصراع ليس في اتجاه التسوية الشاملة.. وإنما باتجاه خلق صراع فلسطيني – فلسطيني خاصة في ظل الاتهامات التي أصبحت تتبادلها كل من منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” والتي اتهمت المنظمة بالتقصير الذي يصل إلى حد الخيانة في التعامل مع قضية المبعدين الفلسطينيين. ذلك الموقف الذي عمدت “حماس” إلى تفسيره على كونه خوفاً من قبل قيادة المنظمة من تأثير هؤلاء المبعدين على الشعب الفلسطيني في الداخل.. وإمكانية التعبئة ضد المنظمة.
لقد جاءت مباحثات السلام في وقت استطاعت فيه القيادة الفلسطينية في الداخل أن تنجز ما عجزت عنه منظمة التحرير الفلسطينية منذ قيامها. وهو إنجاز قد جاء الاعتراف به من قبل الجيش الإسرائيلي ذاته. وإذا كان نشاط الانتفاضة قد تراجع مع تدني المساعدات في أعقاب أحداث الخليج.. فإن الجدل حول المشاركة الفلسطينية في مباحثات السلام قد تفاقم.. خاصة مع استثناء دور القيادات الفلسطينية في الداخل من رأيها في عملية السلام.. وهي أغلبها قيادات ذات طابع ديني تحاول أن تميز نفسها عن منظمة ياسر عرفات.. تحظى بمورد مالي غير مباشر من إيران.. يساهم في نموها إلى درجة يصعب معها الالتفاف حولها. فكما جاء على لسان أحد المنتمين إلى “حماس” قبيل إبعاده إلى الحدود اللبنانية مع 400 من رفاقه.. إن حركة حماس تعارض الحكم الذاتي الفلسطيني الذي يتم التفاوض عليه في واشنطن.
لقد كان للقرار العربي تحت إشراف الولايات المتحدة من قبل بصماته الواضحة في صياغة النص الحرفي لوثيقة الوفاق الوطني اللبناني مع استثناء الشعب اللبناني من تلك القرارات.. فجاءت السيادة اللبنانية منقوصة.. تؤجل المشاكل والقلاقل.. ولا تحسمها.
فهل ستكون البصمات العربية هي المذيلة والخاتمة للقضية الفلسطينية.. حتى وإن أصرت ولو فئة واحدة من الشعب الفلسطيني على رفض ذلك.
