ملفات ساخنة

الموروث العربي المستعبد

“الموروث العربي المستعبَد”

يقال إن للحرية باباً.. لا تطرقه ولا تفتحه إلا أياد مخضبة بالدماء!! وأيادي الفلسطينيين هي لا شك قد خضبتها الدماء طوال سنوات النضال والشتات فوق كل الأراضي العربية!! غير أن حصاده وكما تقول حيثيات البدء بالحكم الذاتي.. والانتخابات الأخيرة.. قد أثمر نظاماً عربياً تقليدياً لا يختلف في صورته عن أقرانه من الدول العربية!! على الرغم من أن القيادات الفلسطينية قد حاولت أن تتنصل من ذلك “التخلف” العربي في الانتخابات الأخيرة.. وذلك بتنازلها عن نسبة الـ ٪99 التي اعتدناها في انتخابات كل الزعامات والقيادات العربية.. والاكتفاء بحاجز الثمانينيات!!
لا شك أن الفلسطينيين الآن يخضعون لاختبار التحول من الحرب إلى السلام.. أو من الصراع والنضال إلى البناء والتنمية!! وهو اختبار فشلت فيه كل حركات النضال والتحرر العربية.. وكل الانقلابات والحركات التصحيحية من قبل!! لأسباب فنية بحتة.. تكمن في الخلط بين أدوات التنمية والبناء.. وبين أدوات الحرب والقتال!! بين الكفاءات والقدرات البشرية.. وبين جنرالات الجيش.. والعسكر!! وكان من جراء هذا الفشل والعجز عن تحقيق أية مكاسب من وراء أي من حركات التصحيح في التاريخ العربي الحديث.. أن تملك المواطن العربي عموماً يأس وقنوط من أية حركة تصحيحية.. أو أي مطلب للتغيير!! فالتغيير والثورة والانقلاب لم تجلب إلا واقعاً أسوأ بكثير مما سبقه وتلك حقيقة قد لا ينكرها أحد.. وإن كانت أسبابها أكثر تعقيداً من مشاعر اليأس تلك.. أسباب تختلف باختلاف الظروف المحيطة.. والأفراد المعاصرين لها!! لذا فإن الفلسطينيين لم يشذوا عن أقرانهم من العرب.. حين أكدوا وأيدوا شرعية “ياسر عرفات” السياسية.. على الرغم من مشاعر الفلسطينيين الحقيقية تجاه “عرفات”.. والتي لا تخفى حتى عن رئيس السلطة الفلسطينية ذاتها!!
إذا كان مصير الثورة الفلسطينية “الحمراء” قد انتهى أيضاً.. بالأسلوب نفسه الذي انتهت به كل الثورات والانقلابات وحركات التصحيح العربية من قبل!! وهي التي لم تكن وليدة مصادفة أو حادث اغتيال سياسي.. أو “بيان رقم واحد”!! وإنما جاءت بفعل معاناة وتشرد وشتات وكوارث عاشتها أجيال وأجيال من الفلسطينيين!
إذا كان هذا هو شأن الثورة الفلسطينية.. رغم اختلافها عن غيرها في العالم العربي!! فهل يعقل أن يكون الخطأ “فنياً” فقط. أي خلطاً بين حكم العسكر.. والحكم المدني!! وإذا كان كذلك بالفعل.. فلماذا وقعت وتقع كل القيادات.. والثورات.. والانقلابات العربية في الخطأ ذاته؟ ولماذا عجزت كلها عن قراءة التاريخ.. والتمعن في عظاته؟!! بدأ بعض الذين تملكهم اليأس من الواقع العربي المرير في التحول عن التحليل والمنطق السياسي لتفسير ظاهرة الفشل الثوري والعجز الإصلاحي العربي!! والبحث عن مسببات أخرى أدت إلى هذه النهايات والتي لم تسلم منها حتى ثورة النضال الفلسطيني!! وذلك بأن لجأ هؤلاء إلى فلسفة الواقع العربي.. فأرجعوه إلى ظاهرة العبودية.. التي يرونها جزءاً من التكوين العقلي والنفسي البشري!! فهم يرون في العلاقة البشرية نزعتين أساسيتين.. إما للعبودية!! وإما للاستعباد!! وبحيث تطغى إحداهما على ظروف مجتمع ما.. لتصبح جزءاً من ثقافته وموروثاته!! قد لا يعيها أفراده.. وإن كانت تبعاتها مرسومة على واقعه.. ومستقرة في اللاشعور لدى مواطنيه!! وبذلك تصبح للحرية ثقافتها وشعوبها.. وللعبودية ثقافتها وشعوبها!! بل قد يمتد هذا التصنيف أحياناً.. وكما نشهد في عالمنا اليوم.. إلى اعتبار حقوق استعباد الآخرين واضطهادهم “حرية” يمارسها الطرف المستعبد (بكسر الباء) بينما يصبح الانصياع للعبودية.. والخضوع للاضطهاد والظلم “حقاً” موروثاً.. يمارسه الطرف المستعبد (بفتح الباء)!! ومهما كان تطرف أصحاب هذا الرأي في رؤيتهم الفلسفية هذه.. فإن الواقع يشهد بذلك وأحداثه تقول بهذه الحقيقة!! مما يعني ان الشعوب المستعبدة.. والخاضعة “ثقافياً” لمبدأ العنف والاضطهاد.. عليها أولاً أن تناضل ذاتها ونزعتها للاستكانة والخضوع قبل أن تناضل الآخر! وأن ترفض داء العبودية.. قبل أن تطالب الآخر بمنحها الحرية!!
لذلك ومن هذا المدخل.. كانت استفتاءات الزعامات العربية دائماً في أقصى خانة التسعينيات.. ليس لأنها جديرة وكفؤة.. ولا لأنها صلبة وقوية.. وإنما لأن موروث المواطن العربي.. خانع.. مستضعف.. ومستعبد!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى