لكل سلطة عهد.. ولكل زمان أهل!

لكل سلطة عهد.. ولكل زمان أهل!
يأتي الحديث الذي أدلى به الزميل “أحمد النفيسي” رئيس تحرير “الطليعة” في الأسبوع الماضي مناسباً جداً سواء من حيث التوقيت الزمني، أو من حيث القضايا الحساسة التي أثارها فيه!! فالخطوط العريضة التي تضمنها حديث السيد “النفيسي” لا تتفق مع واقعنا في الكويت وحسب، وإنما تخرج من نطاقها الضيق هذا لتمس جوهر المآزق السياسية العربية بشكل عام وأشمل!! وما الانفجار الدموي الذي تشهده القدس والأراضي المحتلة سوى نتيجة مباشرة لتلك العثرات في مسارنا السياسي والتي أشار إليها السيد “النفيسي” في حديثه ذلك!!
مسألة الاستئثار بالسلطة والتي أثارها “النفيسي” هي صناعة عربية، وأزمة تعاني منها كل الدول والأنظمة العربية وبلا استثناء، لكن الحديث فيها كان ولا يزال من الأمور المحظورة والمحرمة!! وهي وإن كانت قضية حساسة إلا أنها كذلك قضية هامة، وآن الأوان لطرحها علانية وجهراً، لأنها مرتبطة ارتباطاً مباشراً بكل مشاريع التحول أو التغيير!! وسنستعير هذا المثال الفلسطيني – لكونه من أقسى الأمثلة العربية – ولنوضح على ضوئه مسؤولية ذلك الجمود في السلطة السياسية والعسكرية، التي هي بلا شك مسؤولية مباشرة في كل ما آلت إليه القضية الفلسطينية سياسياً وعسكرياً!!
لقد امتدت السلطة السياسية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة “ياسر عرفات” في إدارة شؤون القضية الفلسطينية سياسياً وعسكرياً منذ فجر الثورة في العام 1965، ولم يطرأ أي تحول أو تبدل في ملامحها الرئيسية طوال مرحلة النضال الفلسطيني الطويلة، ولم يُطح بتلك القيادة كل تلك الاخفاقات السياسية والعسكرية، فكان أن قاد عرفات المنظمة وشعبها من تجربة خاطئة إلى أخرى أكبر وأشد خطأ، ففشل في الأردن في السبعينيات، ثم في لبنان في الثمانينيات، وذلك قبل أن يتوج إطاره في التسعينيات حين راهن على حصان خاسر كصدام حسين، وفي كل تجربة خاطئة ومع كل قرار خطأ يدفع الفلسطينيون دماءهم وأرواحهم قرباناً وفدية لإخفاقات وأخطاء قيادتهم المزمنة!! وعندما تفجرت الانتفاضة الأولى في العام 1987، لم تُضع المنظمة فرصة تاريخية كهذه لملء الشواغر النضالية في مسيرتها فكان أن نسبت لنفسها زوراً انتفاضة الحجارة، فأخمدت جذوتها وحملتها إلى طاولات المفاوضات الاستسلامية في “مدريد” وفي “أوسلو” وإلى البيت الأبيض!! يرى السيد “أحمد النفيسي” في حديثه أننا في أزمة منذ سنوات طويلة جداً، فالأشخاص أنفسهم والعقليات هي ذاتها، والهموم هي الهموم، لكن بدلاً من أن يكون الهم الرئيسي هو إخراج البلد من أزماتها ووضعها في الوضع السليم من أجل أن تنطلق في آفاق المستقبل المزدهر يكون الهم الأساسي لمن هم في السلطة الاستئثار بالسلطة!!
إذاً قضية الاستئثار بالسلطة هي من أبرز العوامل المحبطة والمسببة لاستمرارية السلبيات، وغياب أدوات الإصلاح والتطوير وإذا ما نحن استعرنا مجدداً المثال الفلسطيني فإننا نستطيع القول وبكل ثقة أن أزمة الفلسطينيين تكمن في إصرار القيادة الفلسطينية وعرفات على التمسك بالسلطة بصورة دفعت إلى كل تلك التنازلات التي وقعتها تلك القيادة في سبيل ضمان استمراريتها وبقائها، بل ولم تخل عملية التشبث بالسلطة من عنف تجاه المواطنين، وكما رأينا في ممارسات شرطة السلطة الفلسطينية لوقف انتفاضة الأقصى الراهنة، وهو أمر أدى إلى المزيد من انكماش هذه القيادة على نفسها معتمدة بصورة أكبر على الشرطة الفلسطينية بل وقد يدفعنا هذا التشبث بالسلطة والإصرار على ضمان الاستمرار والبقاء إلى عقد المزيد من الاتفاقيات الاستسلامية والصفقات مع إسرائيل لضمان انتخابات سياسية مثلاً أو مشاريع أمنية مستقبلية.
لذلك فإن القيادة الفلسطينية لم تحاول أن تستثمر تلك الطاقات النضالية المتفجرة داخل شعبها ومواطنيها، بل سعت دائماً إلى إخماها بصورة أو بأخرى!!
قد يختلف الوضع هنا في الكويت بصورة كبيرة عما هو عليه في المثال الفلسطيني!! لكن قضية الاستئثار بالسلطة لا يجب أن تكون قضية نسبية!! فالحاجة إلى قيادات جديدة تمتلك فهماً عصرياً للتطور ولمواجهة التحديات هي حاجة دائماً يفرضها عالم من التحولات الجذرية، وعلوم ومعارف مذهلة ومتغيرة يشترط فهمها والانصهار معها، عقول شابة ومنفتحة، وقلوب مضيئة ومفعمة بكل طقوس وشروط العهد والزمن الجديدين!! فلكل سلطة عهد، ولكل زمان أهل!!
