موقعة الاختلاط

موقعة الاختلاط
ليست هذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها أقطاب الإسلام السياسي هراوة “منع الاختلاط” داخل الحرم الجامعي! فالتداعيات المؤسفة التي حدثت في كلية الطب أخيراً بسبب الاختلاط المزعوم في كافتيريا الكلية، ليست سوى جولة جديدة من جولات الإسلام السياسي، الذي يبدو أنه بصدد إعادة تنظيم وتعزيز لمواقعه التي كانت قد بدأت من المؤسسات التعليمية!
في دراسته القيمة والثرية حول الحركات والجماعات الإسلامية في الكويت، أشار الأستاذ الدكتور فلاح المديرس إلى كيفية توافد أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين في مصر من الفارين من عبدالناصر إلى الكويت وانخراطهم مباشرة في سلك التعليم ومؤسساته، الدكتور المديرس يسرد تفاصيل دقيقة فيما بعد لكيفية توغل جماعة الإخوان في مصر وغيرها من الدول العربية داخل النسيج الكويتي! لكن ما يهمنا هنا حقاً هو مسألة انتزاعهم سلطة القرار في المؤسسات التعليمية التي أدت وبشكل مباشر إلى كل ما نعانيه الآن من تخلف وتراجع في مخرجات التعليم بشكل عام!
اقتحم الإسلام السياسي من خلال التجمعات الطلابية أسوار الجامعة في فجر السبعينيات وبالتحديد في “موقعة” الاختلاط الشهيرة التي دارت رحاها في مسرح الجامعة بالخالدية في عام 1971! يومها كانت “مكافحة الاختلاط” هي القضية الأم في الجامعة الوليدة آنذاك، ليستمر فيما بعد “كفاح” الإخوة مستغلين طبيعة المجتمع المحافظة، وليدغدغوا بذلك مشاعر البسطاء من الأهل والعامة بقضية هي أبعد ما تكون عن أولويات أول مؤسسة تعليم عالٍ في الكويت! ولا ننكر على الإطلاق أنهم وبكل أسف قد نجحوا إلى حد كبير في استقطاب الكثير، سواء من داخل الجامعة أو من خارجها ليتسللوا شيئاً فشيئاً إلى مقاعد الهيئة الإدارية لاتحاد الطلبة – فرع جامعة الكويت، وليسيطروا تماماً منذ عام 1978 وإلى يومنا هذا! متسلحين بدعم غيرمسبوق على مستوى القيادة السياسية وصل ذروته في عام 1979، حين أصبح التحالف الحكومي مع الإخوان السمة السائدة في المناخ السياسي الكويتي، بما في ذلك المناخ التعليمي. وحيث أصبحت قرارات إيفاد وتعيين الأساتذة في جامعة الكويت تتم تحت مظلة ذلك التحالف! وأصبح للإسلام السياسي نفوذه وقراراته المفروضة فرضاً على المؤسسات التعليمية، وبالتحديد على جامعة الكويت! حتى إن هنالك رواية يتناولها الجميع داخل الحرم الجامعي حول أحد أقطاب الإسلام السياسي الذي تقدم بطلب للتعيين في منصب معيد في الجامعة، وحين قوبل طلبه بالرفض لأسباب أكاديمية بحتة أرغى وأزبد وهدد.. وما إن حالفه الحظ وتقلد مقعده في المؤسسة البرلمانية حتى أوفى بتهديداته، وبدأ بوابل من الأسئلة المغرضة ضد الجامعة ومسؤوليها!
معركة الإسلام السياسي في الجامعة وكما قلنا بدأت “بموقعة الاختلاط”، فمنها كانت الانطلاقة التي تحقق على ضوئها “النصر”!
والآن، وفي ظل تفكك بعض النفوذ، ومع تجدد النشاط في بعض القوائم الطلابية المعتدلة وسيطرتها في العديد من كليات الجامعة تعود قوائم الإسلام السياسي لتحيي من جديد ذكرى “موقعة الاختلاط”!
وقفة طلبة كلية الطب كانت وللأمانة أكثر شجاعة وإقداماً من الحكومة بمسؤوليها ووزرائها. وصمود عميد كلية الطب في وجه مهاترات وتصرفات اتحاد الطلبة وحملته السافرة والشرسة تحتاج إلى دعم وإسناد من الحكومة لكي تصمد! وعلى رأي شيخ الكتاب محمد مساعد الصالح يبقى أن الله من وراء القصد!

