الشهداء من المتصوّفة

الشهداء من المتصوّفة
• هالتني كمية الجهل من البعض عن معنى الصوفية، وإن كان هذا الفكر يُثير جماعات الإسلام السياسي، والتاريخ حافل بالوقائع والذين ذهبوا ضحايا الفتاوى.
كتبت في الأسبوع الماضي مقالاً تحت عنوان”الصوفية هي الحل”، وهالني حجم الجهل لدى كثير من الناس للصوفية، سلوكاً وفكراً وطريقاً للخلاص باتجاه الله تعالى!
بدايةً، الصوفية ليست نقيضاً للدين، بل هي نهج موجود في كل الأديان وعلى اختلافها، الصوفية هي رحلة تبدأ بفصل الذات عن محيطها، ليبدأ معها الغوص في سلام لامتناهٍ وسعادة مطلقة، تفوق كل الأحاسيس والمشاعر التي يتوهم الناس أنها تعبير عن السعادة.
الصوفية تشترط أولاً من مريديها تغليب الإحساس الروحي على الشق المتعلق بالرغبات المادية، التي عادة ما يتصور البشر أنها مفتاح السعادة والسلام! مثل هذا النهج يجعل الصوفي قادراً على فهم النصوص والكتب المقدسة بشكل مطلق ومختلف عن فهم الإنسان العادي لها.
الحديث عن الصوفية اليوم يثير غضب الإسلام السياسي، على وجه التحديد، لذلك، نجد أن خليفة داعش أبو بكر البغدادي أمر عناصر تنظيمه بجمع وإحراق جميع كتب الفلسفة والتصوف التي تعود إلى محيي الدين بن عربي، أحد أشهر شيوخ المتصوفين! ومن قبله قطع السياف يدي الحلاج وقدميه قبل أن يقتله، فقط، لأنه كان بالإضافة إلى تصوفه يملك روحاً ثورية كبيرة، وكان يهدف من ذلك إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وإزالة كل أشكال العبودية والطبقية، وهو بالتحديد ما حاربه الرسول c لتتوالى في ما بعد قافلة شهداء العشق الإلهي.
السهروردي، الذي فاقت شهرته ونظريته في الإشراق كل الآفاق وتضاعف عدد مريديه، ليُقتل في ما بعد في سجنه وهو المعروف بالقول: “اقرأ القرآن وكأنه نزل في شأنِك أنت”، ولأن الفقهاء حينها لم يفهموا المعنى الفلسفي العميق لهذه المقولة، فتم إصدار فتاوى بتكفيره وسجنه وقتله.
الفتاوى التكفيرية للذين أدركوا الاستنارة لا تزال مستمرة، طالما بقي الدين بالنسبة إلى البعض خليطاً من السياسة والمال والمصلحة، فصدرت فتوى تكفير المفكّر المصري الراحل نصر حامد أبو زيد، وقبله تم حكم الإعدام في المفكر السوداني محمود محمد طه، للأسباب ذاتها، وتم اغتيال فرج فودة وتكفير طه حسين ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، وهكذا لا لشيء إلا لخشية بعض الناس من الحقيقة! لذلك، ستبقى الصوفية الحل الوحيد!
