ملفات ساخنة

مسرح الهزل

مسرح الهزل

لم يشكل سقوط نظام صدام حسين في العراق تحدياً للشعب وللتاريخ العراقي فقط، وإنما أصبح يشكل تحدياً للكويت كدولة عربية تربطها بالعراق حدود جغرافية، وعلاقات تاريخية شهدت ما شهدت من ظروف ومتغيرات سياسية تركت علاماتها الواضحة في كلتا الدولتين.
وحين زار الرئيس العراقي غازي الياور دولة الكويت في الشهر الماضي، كانت المفاتحة علنية بين الدولتين فيما يتعلق ببعض الأمور العالقة، وأسفرت المحادثات الكويتية ـ العراقية عن اتفاق للخروج بأرضية مشتركة للتعاون، وقد استبشر الكثير منا خيراً بهذه الزيارة التي تدفع برموز الاعتدال في العراق إلى واجهة القيادة، لأن في مصلحة الكويت أن تقف إلى جانب تيار الاعتدال، وأن تدعم القوى الاجتماعية والسياسية والفكرية الليبرالية والمعتدلة التي ستؤمن للعراق تحولاً سلساً نحو بناء مؤسساته الدستورية، وتوفير الأمن وسلطة القانون في مجتمع مزقه حكم الفرد، وبطش الدكتاتورية!
وقد خرجت من قلب الكويت مبادرات ناضجة بالاتجاه الصحيح نحو بناء مثل هذه العلاقة بين البلدين، بعضها كان شعبياً مثل لجنة التآخي بين الشعبين العراقي والكويتي، وبعضها الآخر كان حكومياً مثل مركز العمليات الإنسانية الكويتي الذي جاء بناء على قرار مجلس الوزراء، هدفه تسهيل تقديم ومرور المساعدات الإنسانية إلى الشعب العراقي الشقيق من مختلف المصادر سواء كانت مساعدات كويتية أو من الحلفاء أو من وكالات الإغاثة العالمية، دولية كانت أو حكومية أو لا حكومية أو خاصة!
لكن ما يدعو للأسف حقاً أن مثل هذه الجهود الرزينة والعاقلة يتم نسفها وتشويهها بسبب بعض العقول الساذجة في رؤيتها، أو الجاهلة بظروف المرحلة الانتقالية الراهنة للعلاقات الكويتية ـ العراقية!
مسرحيات العيد عبرت عن بعض من ملامح الجهل والسذاجة هذه، وعلى الرغم من كل ما قيل وكتب في نقد تلك المسرحيات، فإنها وبكل أسف استمرت لتشكل حرجاً ليس للعلاقات العراقية ـ الكويتية وحسب، إنما للكويت كدولة لا تحسن التعامل مع قضايا حرجة وحساسة تمس مستقبلها وسمعتها السياسية!
لقد شكلت حقبة صدام حسين مرحلة من العلاقة الظلامية السيئة، ليس بين العراق والكويت فقط، وإنما بين العراق وسائر دول الجوار.
أما الآن وقد انقشعت تلك الغمامة الداكنة فإن الجميع أصبح يسعى لبناء علاقة ترمم ما خلفه صدام حسين من شرخ في علاقة العراق بالآخرين، ليس على مستوى العلاقات السياسية فقط، وإنما سيطرت على سائر العلاقات الأخرى! وها هو العراق يتحدث الآن عن جهود المسئولين فيه لطمس كل تلك الحقبة السوداء من مناهجه التعليمية، بل ويؤكد حرصه على إبراز دور الكويت في عملية تحرير العراق من ظلم نظام صدام حسين ضمن مناهج العراق التعليمية!
إن مسرحيات ساخرة وهزيلة مثل “حب في الفلوجة” أو “جمعان والأمريكان” لا تشكل حرجاً للكويت وحسب، وإنما تساهم في ترسيخ فكرة العراق العدو في ذهن ووعي جيل الأبناء، في مرحلة نحن بأشد الحاجة فيها إلى إعادة بناء صورة جديدة لعراق حر ديمقراطي، صديق وشقيق وجار، ستربطنا به سنوات طويلة مقبلة في معركته لبناء الأرض والإنسان في بلاد الرافدين لا أعلم كيف تتجاوز مثل هذه المهازل المتخفية برداء المسرح والفن، رقابة المصنفات الفنية التي كثيراً ما وقفت بشراسة أمام خروج عفوي عن النص، أو بيت شعر غزلي!
المسرحيات التي انطلقت مع أول أيام عيد الفطر، تذكرنا من جديد بالمستوى الهابط والمتدني الذي أصبحت تعاني منه الحركة المسرحية في الكويت! لكن على ما يبدو أن المشرفين على تلك المسرحيات لم يكفهم ذلك الواقع المؤسف، فتمادوا في هزلهم ليمس قضايا حرجة وحساسة لا مجال فيها للخوض السخيف والرؤية الارتجالية!
إن أحداث العنف والإرهاب والتوتر التي يعاني منها العراق هي بالفعل مادة غنية للبحث والنقاش بأسلوب عقلاني هادف، لكنها قطعاً ليست مادة للتندر والضحك والهزل، على خشبات مسارح مهلهلة الجوهر، غدت على ما يبدو القاسم المشترك في حركة المسرح الكويتي!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى