ملفات ساخنة

السلطة.. هل هي عزيزة حقاً؟

السلطة.. هل هي عزيزة حقاً؟

نشرت “الحياة” في عددها الصادر بتاريخ 7 فبراير.. خبراً عن عزم بغداد وتأكيد النظام العراقي على تسهيل مهمات فرق التفتيش.. وبجوار الخبر صورة.. ظهر فيها طارق عزيز وهو يصافح رالف أكيوس رئيس اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية. وبدت صورة طارق عزيز.. الذي امتلأ جسمه بعض الشيء وبرز بطنه إلى الأمام، بدت شاذة ومقززة أمام الارتفاع الهائل الذي أصبحت عليه السلع الغذائية الآن في بغداد وغيرها من المدن العراقية. وحيث زاد سعر زيت الطعام مثلاً ليصبح حوالي 600 دينار عراقي!! فبدا طارق عزيز بسيجاره الفخم وساعته المذهبة كرمز صارخ للثمن الذي تدفعه بعض الشعوب في سبيل جنون السلطة وعظمتها اللذين يستحوذان على البعض من شاكلة نظام بغداد ومرتزقته.
ففي سبيل أن يمارس هؤلاء نزعاتهم التسلطية تسفك دماء، ويجوع أطفال، وتتشرد شعوب.. بل لقد ذهب البعض إلى تفسير الواقع إلى السلطة، بكونه دافعاً غريزياً.. لا يختلف عن غرائز الإنسان الأخرى.
والتنافس والصراع على السلطة.. يصلان أحياناً إلى القوة والعنف.. والحروب الأهلية.. وروايات التاريخ وأحداثه تحدثنا دائماً عن مثل تلك الدوافع للصراع.
المجتمعات الحديثة ولا شك.. استطاعت أن تتجاوز مخاطر الصراع على السلطة.. وذلك باعتمادها النظم الانتخابية.. أو تعيين السلطة العليا. بينما هي ما زالت أساس الصراع والقلاقل والفتن في مجتمعاتنا العربية.. ومجتمعات العالم الثالث بصفة عامة. ويتساوى الأمر بين أنظمة الحكم الوراثي.. والأنظمة التي تأخذ بالنظام الرئاسي القائم على اختيار الرئيس وتعيينه بدليل أننا لم نسمع عن رئيس عربي.. ترك السلطة بعد انقضاء الفترة المخصصة للرئاسة.. أو أنه خاض تنافس الرئاسة مع آخرين يشاركونه الساحة.
وقد يكون لهؤلاء ما يعذرهم.. فمفهوم السلطة لديهم أنها ليست إدارة وعمل وتمثيلاً للشعب أمام الشعوب والدول الأخرى.. وإنما هي صولجان وهيلمان.. ورفاه وحياة يسيرة حتى آخر الأحفاد.. هي في حقيقة الأمر امتلاك للأرض ومن عليها.. ويكفي أن نعلم، على سبيل المثال لا الحق، أن فرداً كصدام حسين له نسبة محددة من دخل النفط العراقي تسجل باسمه وفي رصيده فوراً، وتبقى من بعده لأولاده وأحفاده.
لا شك أن نمط شغل هذا المنصب القيادي الأول والأسلوب المتبع في ملء فراغه ينعكس مباشرة على أسلوب شغل المناصب والسلطات الأخرى في الدولة.. لذا فإن مفاهيم كالديمقراطية والتعددية والحرية تبقى رموزاً تفتقد المصداقية.. حيث أنها دائماً ما تصطدم بالأسلوب المتبع في السطلة العليا، والذي ينبع دائماً من الفردية المطلقة تاريخياً، وهناك نظم كثيرة وعديدة لانتقال السلطة.. كالوراثة والانتخاب والتعيين.. ثم الانقلابات العسكرية والانقلابات السياسية.. إضافة إلى أن هناك عوامل اجتماعية واقتصادية.. تتحكم في اختيار الأسلوب الأمثل لتحديد نظام لانتقال السلطة ينسجم مع النظام المجتمعي القائم بصفة عامة. هناك أيضاً الأسلوب الإسلامي.. والذي جاء مع الدعوة المحمدية ليشكل أسلوباً جديداً في شغل فراغ السلطة.. قائماً على الخلافة والبيعة.. والذي لم يسلم كذلك من دخلاء.. كالنظام الأردني.. وأخيراً العراقي.. واللذين يريان أحقيتهما في السطلة في انتمائهما للرسول من بين كل تلك النماذج في شغل السلطة، سواء من التاريخ القديم أو التاريخ المعاصر، يبقى للنموذج العربي عنصره الفريد، والذي استطاع بالفعل أن يصمد كنموذج يصح أن يطلق عليه: النمط العربي في شغل السلطة ولعل أكثر ما يميز النموذج العربي.. هو أن أهمية تفريغ السطلة تأتي بدرجة أعلى من ملء فراغها فالقضاء على النظام في النموذج العربي، أو إقصاء الرئيس، أو تغيير الحاكم تأخذ زمناً أطول بكثير وأكثر أحداثاً، وبالتالي تأثيراً على الشعب والمواطنين عن فترة استقرار الحاكم وتوليه الحكم. ولعل في ذلك يكمن سرد تفرد العالم العربي بنموذجه الفريد في أسلوب شغل السلطة.. ولعلنا لن نجد مشقة أو عناء في تبين ذلك على أرض الواقع، فالزعامة العربية تقضي وقتاً أطول وجهداً أكثر.. وبالطبع تسخر أموالاً أكثر في سبيل الحذر والحفاظ على السلطة.. من (الطامعين) من حولهم.. والذين هم دائماً إرهابيون ومثيرو شغب وبنظرة واحدة إلى آلاف الشباب المسخرين لحماية رئيس النظام العراقي، بل وبجولة سريعة للتمعن في الثمن الذي دفعه ويدفعه العراق كدولة وكشعب.. ومنذ نهاية السبعينيات.. أي منذ بدأت السلطة الجديدة بزعامة صدام حسين.. في سبيل الحفاظ على السلطة التي اكتسبها بفعل عجز من سبقه في الحفاظ عليها، نستطيع أن نتبين فداحة الثمن الذي تدفعه الشعوب في سبيل إرضاء نزعات تسلطية مريضة.
ولعلَّ في ذلك يكمن سر عجزنا كشعوب عربية عن التقدم في أي ميدان من ميادين الحياة، فرغم كل ثرواتنا الطبيعية منها والجغرافية والبشرية.. إلا أننا كشعوب نقضي جزءاً كبيراً من تاريخنا.. في متابعة متى وكيف سيعزل حاكم من منصبه.. ومن وكم سيبقى من يخلفه.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى