حين تصبح الدكتاتورية… أفضل الحلول

حين تصبح الدكتاتورية… أفضل الحلول
لا شك أن القول بأن مصائب قوم عند قوم فوائد.. قد تجسد لدينا البقعة من العالم كواقع نلمس حقيقته من خلال الظروف التي توقف عندها عامل الزمن في العراق كدولة وكشعب.. وعلى الرغم من أن آثار مأساة الاجتياح لا تزال كامنة في جوفنا.. نعيش واقعها الأليم من خلال معاناة ذوي الأسرى والشهداء.. ونجتر أيامها السوداء الكريهة في كل حديث وواقعة.. على الرغم من ذلك.. إلا أن تفاصيل الأحداث فيما بعد فجر التحرير.. تتطلب منا شيئاً من التروي والحكمة في قراءة مسار الأحداث من حولنا.. إن لم يكن من أجل مستقبل المنطقة بأسرها.. فليكن من أجل ما يفرضه واقعنا الجغرافي.. وما يتطلبه من ضرورة فهم واستيعاب.. خاصة بعد أن أكدت لنا تداعيات ما بعد التحرير.. أن القضية ليست قضية حاكم دكتاتور أفنى شعبه.. وامتد بعنفه إلى جاره.. واستطاع برغم كل ذلك أن يستمر في عرشه وسلطانه.. وإنما هي قضية فشل في قراءة التاريخ.. وقصور في الرؤية!!
الآن وبعد مرور ثلاث سنوات على كبرى المآسي العربية في تاريخ العرب الحديث.. نزفت خلالها المنطقة من الأموال والثروات ما كان بالإمكان استغلاله لرفاه واستقرار الفرد العربي.. لا نزال وبكل أسف نتمسك برؤانا المحدودة تلك التي دفعتنا إلى ما نحن فيه الآن.. ولا يزال الفرد العربي الذي يرى أن الكويت (كياناً مصطنعاً) لا يملك جذور العراق الضاربة في التاريخ.. لا يزال هذا الفرد مصراً على رؤيته.. محملاً الوطن بذلك وزر ما أصاب العراق وشعبه من ذلّ ومعاناة.. كما ولا يزال الفرد في هذا الوطن.. متمسكاً بضرورة إركاع العراق.. وتجويع شعبه.. وكأنما نحن في كوكبين مختلفين.. وكان ما أصاب العراق من وباء.. لا يملك أن يتخطى ما نبني من جسور وخنادق!!
مأساة العراق الآن.. في أن مصائبه تولّد مغانم للغير.. والمقصود بالغير هنا.. لا يشمل الدول المجاورة للعراق.. وبما فيها الوطن وحسب.. وإنما يطال دول التحالف على وجه الخصوص فمن بين كل ما طرح من سيناريوهات لمستقبل العراق.. خرج الغرب تحت لواء الزعامة الأمريكية.. بنتيجة واحدة.. وهي أن إبقاء وتجميد الوضع على ما هو عليه.. يعتبر أفضل الحلول لأطراف التحالف.. وأن التعامل مع فرد.. خاصة بعد تقليم مخالبه.. هو أسهل بكثير من التعامل مع حكومة أفراد.. ومجالس نيابية.. وآراء مختلفة.. طالما أن بقاءه.. يعتبر الآن عاملاً أساسياً في كبح جماح أي تحرك شعبي قد يثير من القلاقل والمشاكل ما يتصور الغرب أنهم في غنى عنه.
التساؤل الغربي حول مستقبل العراق.. يجابهه جمود وتجاهل من قبل دول المنطقة.. والاحتمالات التي يستعد الغرب لمواجهتها في حال تغير النظام والوضع في العراق.. لا تجد متسعاً لها لدى الدول المتاخمة للحدود العراقية.. وهو أمر ولا شك يدعو إلى تفسيرين.. إما أن تكون السرية والتكتم هما أساس مناقشة احتمالات التغيير في العراق.. وإما أن يكون السبب في ذلك.. بأن المخاوف والاحتمالات التي تضعها دول المنطقة تأهباً للتعامل مع أي بوادر تغيير في العراق.. هي احتمالات مطابقة للتصورات والمخاوف الغربية الأمريكية وهو بذلك أمر لا يخلو من مخاطر وأزمات مستقبلية خاصة وأنه يسير في نفس اتجاه القراءات الخاطئة السابقة والتي قادت المنطقة بأكملها إلى يوم الثاني من أغسطس.. وما أعقبه من تداعيات.
فعلى الرغم من أننا نحيا عصر الديمقراطية والحرية.. وبالرغم من أن حرب تحرير الوطن.. قد وصفها الغرب بأنها حرب للديمقراطية والحرية في مواجهة الدكتاتورية والفردية.. إلا أن مخاوف دول المنطقة.. تتفق مع مخاوف دول التحالف.. في معارضتها لقيام عراق ديمقراطي على وجه التحديد كأحد أسوأ الاحتمالات القائمة في حال حدوث تغيير في النظام العراقي.
مستقبل ديمقراطي للعراق يكلف الغرب ولا شك مادياً وأمنياً؛ فعلى الصعيد المادي.. هنالك حجب لما يساوي خمسين بليون دولار ثمن أسلحة تم بيعها لدول المنطقة.. واستفاد منها إلى جانب الولايات المتحدة كل من فرنسا وبريطانيا. وتلك مبالغ لم تكن لترصد لاقتناء سلاح.. لولا كابوس نظام صدام حسين.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري أيضاً.. ساهم ترحيب دول المنطقة بالولايات المتحدة والغرب.. باعتبارهما أداة التحرر من همجية نظام بغداد.. ساهم في فتح الباب للشركات الأمريكية والتي أصبحت شريكة بحصة تساوي ٪46.. إلى جانب الاتحاد الأوروبي والذي وصلت حصته إلى ٪26.
أما على الصعيد الأمني.. فقد وفرت دكتاتورية النظام الواحد في العراق.. وفرت على الولايات المتحدة الخاصة.. جهد التصدي والحد من تصدير الثورة الإيرانية.. وقطعت اللاديمقراطية في العراق الطريق على الامتداد الشيعي في الجنوب باتجاه إيران.. العدو والخطر الأول على المصالح الغربية في المنطقة.
أما تكلفة العراق الديمقراطي على دول المنطقة.. فهي ولا شك كبيرة.. خاصة على مستوى الاستقرار السياسي لأنظمة الحكم فيها. فبخلاف القبول الذي أصبحت تحظى به أنظمة دول المنطقة مقارنة بنظام الحكم في العراق.. فإن سلبيات كثيرة في دول المنطقة.. وجدت حجتها في مخاطر النظام العراقي التي ما زالت قائمة.. إلى جانب الاستثمار الواضح في بقاء صدام حسين ليكون تبريراً مقبولاً من قبل دول المنطقة لمظاهر الاستنفار الأمني.. بما فيه الإسراف في التجهيز العسكري.. ومناقصات السلاح الخيالية.. والدخول في معاهدات حماية.. ودفاع غربية.
عراق ديمقراطي ولا شك يملك فرصة أكبر للعدوى.. يخشاها الغرب كما تخشاها دول المنطقة.. وإذا كانت دكتاتورية النظام في بغداد قد كلفت الوطن والمنطقة بأكملها مبالغ خيالية.. وقلقاً لا يصمت من غموض المستقبل الأمني.. فإن ديمقراطية النظام في بغداد.. قد يكون تأثيرها أشد عنفاً من حيث جذرية التغيير في المنطقة.. وقد لا يكون من باب المبالغة بمكان.. القول بأن تضاريس المنطقة الجديدة لن تكون نهائية دون استقرار حقيقي للوضع في العراق.. سيحاول فيها العراق وبكل تأكيد أن يحصد نصيبه من الفوائد والتي جناها الغير من مصائبه!!
