لن نزيف التاريخ من جديد

لن نُزيف التاريخ من جديد”
من المشاهد الحية.. والباقية من حرب تحرير الوطن.. مشهد يصور جندياً عراقياً يستلقي منبطحاً ليقبل حذاء أحد جنود قوات التحالف!!
مشهد بقي عالقاً في مخيلتنا.. جعلنا نحن الضحية.. نستشعر بعضاً من المهانة والذل الذي كان مسيطراً على فلول المأسورين من جيش النظام العراقي!! فعلى الرغم من تباشير الفرج التي أعلنها آنذاك استسلام المئات والآلاف من الجنود العراقيين.. إلا أنها جاءت بمشاعر مختلطة عجزنا أن نجد لها مبرراً أو تفسيراً.. سوى كونها تابعة من قناعتنا بتشابك وتشابه المصير التاريخي للجاني وللضحية معاً!!
لقد أصبحنا في هذا الوطن من أكثر المدركين لمعاناة الشعب العراقي تحت ظلم واضطهاد نظم الحكم القائم!! وهو إدراك نابع من تعرضنا للظلم ذاته.. والذي اكتوينا بناره وعنفه.. وعلى مدى سبعة أشهر طوال!! جعلتنا نتعاطف مع معاناة الشعب العراقي.. والتي امتدت وما زالت لسنين طوال!! لذا فنحن نثني ونؤكد على ما حواه تصريح الشيخ زايد من تعاطف مع الشعب العراقي.. ونتفهم تماماً دعوته إلى رفع المعاناة عن الشعب العراقي.. وإنهاء عزلته وذلك برفع الحصار عنه!! غير أننا كغيرنا نستنكر ونرفض دعوته للصفح عن رئيس النظام.. والتسامح فيما ارتكبه من (أخطاء) استنزفت أرواحاً وأموالاً ومستقبلاً!! لا نريد أن يكون تفاعلنا مع ما ذكره الشيخ زايد تفاعلاً مصبوغاً بمصالح أو بمشاعر ذاتية خاصة تفرضها شهور الظلام التي عبرت بنا!! وإنما نريد هنا أن نتحلى بموضوعية مطلقة.. حتى لا يُساء فهم استيائنا من تصريحات الرئيس الإماراتي!!
لقد حمل حديث الشيخ زايد إهانة واستهزاء بمعاناة المواطن العراقي.. سواء داخل أو خارج العراق!! فالدعوة إلى الصفح عن (أخطاء) صدام حسين.. هي حق لا يملكه إلا من خضع ويخضع لعنف وسطوة ودموية النظام في بغداد!! بل وحتى لو حدث وصفح الشعب العراقي عن أخطاء رئيسه – على الرغم من ندرة احتمال كهذا -!! فإن للبشرية حقاً عاماً في القصاص من صدام حسين!! فمع كل ما اقترفه نحو شعبه.. وجيرانه من قتل وتشريد ورعب.. فإن جرائمه بحق البيئة والاقتصاد.. والتنمية تجعل من أخطائه جرائم يصعب على المجتمع الدولي أن يصفح عنها أو يتجاهلها!! غزو الوطن.. كان واحداً من تلك الأخطاء.. لا جميعها، لذا فإن الصفح عن صدام حسين ليس قراراً كويتياً فحسب وإنما قرار دولي بشكل عام.. وعراقي بوجه خاص!! فصدام مسئول عن تدمير العراق دولة وشعباً.. وعن التراجع الذي أصاب البنية والأساس المجتمعي والسياسي والاقتصادي والأمني للعراق.. والذي أعادها إلى الوراء مائة عام!! صدام مسئول أيضاً عن انقراض ما يزيد عن المائة وعشرين نوعاً من الطيور وذلك بعد تجفيفه الأهوار.. وما ألحقه بالحياة فيها من دمار وإهدار لتلك الثروات الطبيعية!! صدام كذلك مسئول عن تفكك العلاقات العربية!! كما أنه مسئول عن الارتجال الواضح في وضع وصياغة برامج السلام العربي – الإسرائيلي!!
وصدام يتحمل مسئولية مباشرة في إعادة الهيمنة الغربية للمنطقة العربية وإلغاء الدور السياسي للثروة وتصرف الاتفاقات الأمنية الخليجية مع دول الغرب وأمريكا.. وعن التلوث العالق في أجوائنا وبحارنا.. والذي أصبحنا نعاني من انعكاساته الصحية بشكل واضح يهدد أمننا الصحي والجسدي!! تلك بعض من أخطاء صدام حسين.. والتي قد يصعب استثناء أي من دول العالم العربي.. من تبعاتها وأضرارها.. ولا نستثني من ذلك مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة!!
لا نبالغ إذا ما قلنا أن البعد الأخلاقي لبقاء صدام حسين.. هو أخطر بكثير من البعد السياسي لاستمراره!! فعلى الرغم من تشابه الواقع العربي.. والاختلافات النسبية بين أنظمة الحكم العربية.. إلا أن تعرية نظام الحكم في بغداد.. وذلك في أعقاب كارثة الغزو.. جعلته مرشحاً أكثر من غيره لصفات الدكتاتورية.. والعنف والإرهاب!! والتي ينفيها كل حاكم عربي.. ويتنصل منها كل دكتاتور مستبد.. في كل حديث ومناسبة يوجهه إلى الشعب والمواطن!! مما يعني أن أية دعوة للصفح عن أخطاء صدام حسين.. هي إقرار غير مباشر بأنه ليس وحده في مجال العنف والاستبداد!! وإنما هي صفات أساسية لشخوص السياسة العربية!! بقاء صدام حسين.. يعزز الهوة بين ما تدعو إليه أنظمة الحكم العربية.. وما تدعيه من عدل وديمقراطية.. وبين ما هو واقع وحقيقة!! ولعلها الهوة ذاتها التي اقتحمها صدام حسين من خلال غزوه الكويت!! والتي عززت ذلك التباين بين الخطاب السياسي الرسمي.. وبين الواقع السياسي المعايش!! بين المواعظ والعظات.. وبين الحقائق والممارسات السياسية العربية!! الصفح عن صدام حسين وغفران أخطائه هو إهانة للعقل وللوعي العربي والإنساني بوجه عام.. واستهتار بآلاف مؤلفة من الضحايا.. ومليون عراقي مطارد وخائف خارج وطنه!!
التسامح مع عنف ودكتاتورية صدام حسين هو جهل مطلق بحكمة ودروس التاريخ.. والذي على هرمه.. وطول سنيه.. لا يغفر أبداً لمن يزيف في حقائقه!! أو يجهل دروسه وعبره!!

