ملفات ساخنة

صدام حسين.. سيد الحسابات الصحيحة!!

صدام حسين.. سيد الحسابات الصحيحة!!

يعود نظام بغداد من جديد إلى دائرة الضوء، وذلك إثر الأزمة التي أثارها ذلك النظام مع المجتمع الدولي، سواء من خلال قراره بطرد المفتشين الأمريكيين أو من خلال تمرده على العقوبات الدولية المفروضة عليه منذ هزيمته في العام 1991.
ولعل هذه ليست المرة الأولى التي يسلط فيها الضوء على نظام بغداد بهذه الصورة، فلقد عهد المجتمع العربي، والدولي جولات سابقة كثيرة من التمرد والعصيان العراقي على العقوبات الدولية، وعلى الموقف السياسي الدولي بشكل عام وبحيث تفاوتت ردود الفعل على حركات التمرد تلك، بحسب الظروف السياسية والاقتصادية السائدة.. وإن كان ذلك لم يخرج أبداً عن فرضية أن الموقف في المنطقة، ومن خلال التعامل والتعاطي مع نظام بغداد تم حسمه على النطاق الدولي لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد والتي رأت في ظروف الغزو، وتداعيات حرب الخليج وما أعقبها، فرصة تاريخية لإعادة تشكيل علاقات وموازين القوى في المنطقة، بالصورة التي توفر لها نفوذاً اقتصادياً أكبر وذلك بالإضافة إلى ما وفرته تلك الحرب من فرص كبيرة لاختبار أسلحة حديثة، وأساليب اتصالات ومراقبة متطورة وجديدة.
ومن هنا يكون باستطاعتنا القول: إن حرب الخليج وما سبقها وأعقبها من أحداث حققت للعالم الغربي الصناعي أهدافاً استراتيجية لم يكن أبداً من ضمنها هدف إسقاط نظام صدام حسين أو إحداث أي تغيير في العراق، وذلك لعدم تعارض وجود نظام بغداد واستمراره على أي من الأهداف الاستراتيجية الغربية في المنطقة غير أن الوضع لا شك يختلف جذرياً في حالة الدول العربية بشكل عام، أو هكذا يفترض أن تكون الرؤية والتصور. فحماقات نظام بغداد قد استنزفت من الأموال العراقية ما كان يكفي لضمان مستوى لائق من المعيشة لجميع الدول العربية، وعلى مدى سنوات طويلة. بالإضافة إلى ما خلفته تلك الحماقات من تراجع كبير في أولويات القضايا والمشاكل العربية بصورة أعادت تلك القضايا إلى نقطة الصفر، إن لم تكن ألغتها من أجندات المشاريع العربية الاستراتيجية المستقبلية.
ومن هنا، فإنه وإن كان بإمكاننا تفسير ذلك التجاهل الغربي لإسقاط صدام حسين ونظامه تفسيراً منطقياً لكونه لا يتعارض مع استراتيجيات الغرب المستقبلية ولا مع مصالحه المباشرة، اقتصادية كانت أم سياسية فإن ذات المنطق في التفسير لا يتلاءم بتاتاً مع المستقبل العربي، ولا مع مصالح شعوب المنطقة بل هو على العكس من ذلك تماماً!!
لا شك أن الصورة الأكثر وضوحاً الآن، وخاصة فيما بعد أحداث العام 1990، تؤكد يوماً بعد يوم أن أي تغيير في العراق، بما في ذلك سقوط دكتاتور مثل صدام حسين سيحمل معه هواجس وقلقاً، يفوقان حالة القلق الآنية. عبّر عنها الغرب من خلال أسلوبه في التعامل مع الشأن العراقي بوجه عام، ويعبّر عنها العرب من خلال إصرارهم على البقاء خارج حدود الشأن العراقي، بصورة أصبحت تثير المخاوف والنقد في آن واحد. فالصورة التي يحملها التغيير في العراق تحمل قتامة تفوق قتامة الوضع الحالي.
إن المخاوف التي يسوقها كلا الطرفين، العربي والغربي تفتقد دلالات ومؤشرات صحيحة ومنطقية على أرض الواقع. فالتحجج بتمرد العراق والذي تردده الدول الأوروبية تحت الزعامة الأمريكية، يدحضه ذلك الانصياع العراقي التام لكل القرارات الدولية. ونحن هنا وبكل تأكيد لا ندافع عن العراق ولا عن نظامه، بقدر ما ننشد تفسيراً منطقياً وعقلانياً لصراع مستمر لم يحسمه ذلك التباين الكبير بين طرفيه. حيث يقف العالم بمؤسساته وهيئاته عاجزاً أمام نظام عسكري بدائي في تكوينه مقارنة بتكنولوجيا الحرب والصراع الحديثة.
أما حجة الطرف العربي، عن طبيعة عجزه في مواجهة المأزق العراقي، فهي لا تقل وهنا عن الحجج الغربية. فالمخاوف العربية المفتعلة من خطر النظام العراقي، يدحضها الواقع العراقي المقيد بالتزامات سياسية واقتصادية، وعسكرية لسنوات طويلة قادمة، تجعل من احتمال تحركه الداخلي أو الخارجي، احتمالاً مبالغاً فيه.
لقد أكدت الأحداث في المنطقة ومنذ تفجرها في الثاني من آب 1990، على درجة الذكاء التي يتمتع بها رئيس النظام العراقي بل وتدل التطورات يوماً بعد يوم على أن صدام حسين ليس سيد الحسابات الخاطئة، بل هو أستاذ الحسابات الصحيحة. فحتماً هو لم يكن ليجد فرصة أفضل للقيام بمغامراته مما هو متاح الآن.
حيث تؤم المناخ السياسي العالمي حمى توزيع مناطق النفوذ والثروة، بينما يلهث العرب باحثين عن حجج لتأجيل كل مشاريع التنمية والإصلاح والبناء، بعد أن تراجع نفوذ حجتهم الأولى في ذلك والتي استخدمت سلاح الصراع العربي – الإسرائيلي لما يزيد على أربعة عقود!!
لذا، فإن الذين يأملون سقوط صدام حسين عند كل مسلسل إثارة وتشويق يخرجه فريق الأمم المتحدة، هم بلا شك واهمون ليس لقوة في صدام حسين ولا لضعف في العالم بمؤسساته، وإنما لمسلسل الإثارة هذا، حلقات لم تكتب بعد!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى