الانفراج العراقي.. عسكري أم سياسي؟!

الانفراج العراقي.. عسكري أم سياسي؟!
قد يكون من الصعب جداً الكتابة بدقة في أجواء تفوق سرعة تبدلها وتطورها كل سرعة بشرية طبيعية في المتابعة والملاحظة. فالحديث عن تطورات الوضع الذي تفجر في سماء المنطقة مع فجر السابع عشر من ديسمبر، يشترط تأريخاً وتوقيتاً زمنياً دقيقاً لكي تكون المتابعة ممكنة، والتسلسل منطقياً والفهم محتملاً وأياً كان الأمر، فإن المراقب لن يستطيع أن يتجاهل شعوراً بالحزن مصحوباً بلا مبالاة وعدم ثقة تجاه الهجوم الأمريكي – البريطاني على العراق، يعبر عنه الكثير من أبناء الوطن، ويسيطر على كل الأوساط السياسية في العالم بأكمله.
وهو بالتأكيد ليس تعاطفاً مع نظام بغداد الحاكم، وإنما تعبير عن إحساس موحد تجاه تراجع مصداقية الولايات المتحدة بالتحديد فيما يتعلق بحسم الوضع في العراق.
فاحتمال أن ينتهي الإجراء العسكري الأمريكي – البريطاني هذه المرة كما انتهى غيره من إجراءات عسكرية سابقة، هو احتمال وارد جداً، لأسباب لا تتعلق بعدم قدرة الطرف الأمريكي على الحسم العسكري، وإنما بصعوبة الحسم السياسي بالصورة التي يسعى المعسكر الأمريكي – البريطاني للخروج بها من المستنقع العراقي، فعلى الرغم من جملة الأهداف التي حققها المعسكر الغربي في المنطقة منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 وذلك عن طريق إثارة بؤر الخلاف الموجودة في الخريطة السياسية للمنطقة، إلا أن أهدافاً أخرى لا تزال موجودة في أجندة المعسكر الغربي وبانتظار دورها في التحقق والإنجاز.
فلقد استطاع الغرب احتواء الخطر القادم من الثورة الإيرانية، وذلك عن طريق إشعال فتيل الحرب العراقية – الإيرانية، وتفويض العراق بدخول حرب ضد إيران بالنيابة عن المعسكر الغربي، وعن كل الذين ناهضوا النظام الإيراني الجديد، كما استطاعت الولايات المتحدة استغلال طموحات دكتاتور العراق، وحسم الصراع الدولي على منابع النفط لصالحها.. كذلك حقق الغرب حلمه بتفتيت الجبهة العربية المواجهة لإسرائيل، وإعلان بدء حقبة السلام العربي – الإسرائيلي، وذلك أيضاً من خلال البوابة العراقية!!
من المفارقات العجيبة لما يتعلق بموضوع العراق، أن العقوبات الاقتصادية، والحصار المفروض على العراق، قد أصبح مرهقاً ومكلفاً بالنسبة للغرب أكثر مما هو بالنسبة للعراق كنظام.. فالشركات الأوروبية والأمريكية أصبحت لا تخفي تذمرها من تجميد فرصها الاستثمارية في العراق!. كذلك يستدعي الوضع السياسي في المنطقة، خاصة في ظل تطورات مسيرة السلام العربي – الإسرائيلي، حضوراً أقوى للعراق كدولة وكيان سياسي قادر على الحركة، والتأثير في محيطه العربي والإقليمي والدولي لذا فإن المشكلة التي يواجهها الغرب الآن، ليست في دكتاتور أخل بأبسط الحقوق الأساسية للإنسان، ولا هي بقضية تحجيم قوة عسكرية كبيرة وخطرة، وإنما هي في إعادة تأهيل العراق ليكون لاعباً رئيساً في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالحوار العربي – الإسرائيلي، والموازنات العسكرية والسياسية!!
لا أحد يعلم بعد أين سينتهي الإجراء العسكري الأمريكي – البريطاني.. وإذا كان حسم الموقف بالنسبة لدول المنطقة هو رهن إسقاط نظام صدام حسين، فإنه قطعاً ليس ما يهدف إليه التحالف الأمريكي – البريطاني!.. وإذا كانت الولايات المتحدة قد استطاعت من خلال حرب الخليج الثانية أن تحسم صراع الدول الصناعية على منطقة الخليج لصالحها، فإن هناك صراعات أخرى بانتظار إجراء مماثل يضمن للولايات المتحدة بالذات خطاً مشابهاً لخطها في الخليج، فهنالك الصراع التركي – اليوناني حول قبرص، وهنالك الصراع العراقي – التركي – السوري حول المسألة الكردية، وهناك أيضاً إيران بمشاكلها، وإسرائيل بمطالباتها وضغوطها.. وكلها صراعات يشكل العراق فيها طرفاً عاماً وأساسياً يرى الغرب ضرورة تفعيله وإعادته لاعباً نشطاً من جديد! لا شك في أنه من الصعب جداً الحديث عن مكاسب قد يحققها الإجراء الأمريكي – البريطاني لأي طرف من الأطراف.. وإذا كان الغرب يهدف من وراء هذا الإجراء العسكري لأن يحقق حسماً سياسياً للمسألة العراقية، فإنه حتماً لن يكون حسماً بعيد المدى والأثر.
