كيف بقي صدام حسين؟!

كيف بقي صدام حسين؟!
هنالك سؤال قد يرى فيه الكثيرون سذاجة وغباء، غير أنه سؤال أصبح مسيطراً على عقول الكثير منا في الآونة الأخيرة!! سؤال حول الأسباب التي تؤمّن لنظام كنظام الحكم في بغداد الاستمرار، وتضمن لشخص مثل صدام حسين البقاء ولفترة قياسية في سدة الحكم وعلى رأس القيادة العراقية!! على الرغم من كل ما تحمّله ويتحمله الشعب العراقي والعربي من مآس ومخاطر تلقي بظلالها على مستقبل المنطقة العربية بشكل عام، وليس على العراق وحده!!
البعض يرى في مسألة كهذه أبعاداً نفسية وسيكولوجية، وليس أسباباً سياسية فقط!! ولقد حاول من قبل بعض علماء النفس والسلوكيات وضع تفسير لحالات مشابهة للحالة العراقية، حيث قدم بعضهم دراسات تعلل الأسباب التي وفرت فرص الاستمرار لأنظمة عنف مشابهة، كالعنف النازي على سبيل المثال.. حيث وجد هؤلاء أن العنف في مثل هذه الحالات قد يصبح شرطاً للانتماء، وضماناً للبقاء والاستمرار، وأن أي خلل يصيب دائرة العنف المحكمة، بإمكانه أن يصيب كل أعضائها بالضرر والخسارة، مما قد يشكل مدخلاً لانهيار جميع أقطاب الدائرة وبلا استثناء!!
لقد وقع الكثير منا في جدل الأسباب الحقيقية وراء بقاء صدام حسين، وعما إذا كان استمراره دليل قوة وتماسك يتصف بها نظام البعث الحاكم في بغداد، أو مؤشراً على ضعف يتملكنا جميعاً!!
بعض الآراء ترى في الأسباب مزيجاً من هذين العاملين!! وإن كانت تعاملات بعض دول المنطقة وردود فعل بعض الأنظمة العربية تجاه نظام الحكم في بغداد وممارساته، ما يدفع بالتحليل والتعليل النفسي والسيكولوجي للعنف لأن يتصدر وبمنطقية كل الأسباب الأخرى!!
لا نريد أن نقول أن الأنظمة العربية تسعى جاهدة للإبقاء على نظام الحكم في بغداد، فذلك بلا شك يحوي تطرفاً وجنوحاً في الرأي والرؤية، لكننا بالتأكيد نستطيع القول: أن بقاء نظام بهذه الصورة، قد أسبغ شرعية وقبولاً واضحين على أنظمة الحكم العربية، وعلى اختلافها، وبحيث أصبحت الدكتاتورية نسبية والعنف نسبياً، وتراجع برامج التنمية أيضاً مسألة نسبية، وأن من يرد أن يهنأ وينعم بنظامه السياسي، وببرامج التنمية، والتعليم، والخطط الاقتصادية فوق أرضه، فما عليه سوى المقارنة مع نظام الحكم في بغداد، وأسلوبه في رعاية مواطنيه ورفاههم!! وبحيث أصبح هنالك امتنان خفي ومبطن تكنّه أنظمة الدول العربية لصدام حسين ونظامه!!
لا جدال في أن الموقف العربي تجاه الوضع في العراق هو موقف مقصّر وسلبي!! لأسباب قد لا تعود جميعها للاحتواء الدولي، والمبادرات العالمية للحالة العراقية، وكما يحاول البعض أن يسوّغه كمبرر لذلك التقصير!! وإنما للخوف العربي الواضح مما قد يفرزه أي تغيير في العراق من أوضاع ومستجدات سياسية قد لا يستطيع المحيط الإقليمي للعراق التعايش معها والانسجام مع شروطها!! ولعل أقسى تلك الشروط هو التحول الديمقراطي في العراق!! فالتحديات التي قد يفرضها نظام ديمقراطي في العراق، هي بلا شك أقسى على دول المنطقة من تحديات العراق الدكتاتورية!!
لقد أصبحت الأنظمة العربية وبكل أسف، جزءاً من دائرة العنف المحيطة بنظام الحكم في بغداد، يدفعها إلى ذلك تخوف شديد وقلق من مقومات الانفجار التي يزخر بها المناخ العراقي بوجه عام!! فمن مقومات يزخر بها المناخ العراقي بوجه عام!! إلى مقومات لاحتمالات تفجر صراع عرقي يدفع به مزيج متباين من الأعراق تتفاوت بين أصل عربي وفارسي وكردي، إلى مقومات صراع طائفي بين سنة وشيعة، إلى جذور قلق سياسي بسبب سنوات طويلة من الدكتاتورية والعنف، بالإضافة إلى أعباء اقتصادية معقدة، وتدهور في التعليم والصحة النفسية والبدنية.
صدام حسين باقِ، وحزب البعث الحاكم في بغداد صلب ومتماسك، ليس لقوة فيه، وإنما لأن البدائل المطروحة مكلفة ولأن كافة أشكال التغيير المطروحة تشكل قلقاً أكبر بكثير من القلق الذي يشكله استمرار صدام حسين!! وأهم من هذا وذاك أن دائرة العنف تحوينا جميعاً، وإن كانت بنسب متفاوتة!
