ملفات ساخنة

انهيار العراق ومسألة الأمن في الخليج

انهيار العراق ومسألة الأمن في الخليج

قبيل بدء الاجتماع في مدينة “فانكوفر” الكندية.. بين الرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” والرئيس الروسي “يلتسين”.. ألقى “كلينتون” كلمة في اجتماع لرابطة رؤساء تحرير الصحف في اجتماعها في “أنابوليس” عاصمة “ميريلاند”.. حيث حاول الرئيس الأمريكي.. ومن خلال ذلك الاجتماع.. حاول أن يقنع الرأي العام الأمريكي.. بأن أمريكا.. لها مصلحة مباشرة في المساهمة في تطوير الاقتصاد في روسيا نحو نظام السوق.. مما يدعم الديمقراطية هناك.. ويمنع تفجّر الصراعات السياسية والقومية. حيث قال الرئيس الأمريكي في ذلك الاجتماع: “من الضروري أن نتحرك بحذر ولكن بسرعة لبذل كل ما في وسعنا لجعل الإصلاح الروسي هدفاً استراتيجياً”. وحيث بيّن الرئيس الأمريكي القصد من وراء الجهود الأمريكية لإصلاح الاقتصاد الروسي الذي يمر بحالة من الفوضى.. حيث أكد الرئيس الأمريكي أن العالم لا يستطيع تحمل تكرار الصراع الدائر في يوغسلافيا السابقة.. في بلد كبير كروسيا!! وفي محاولته ربط تلك الجهود بالأمن والسلام الأمريكيين.. قال الرئيس الأمريكي: “إن مصالح جميع الأمريكيين تكمن في الجهود الرامية إلى تعزيز أمننا ورخائنا.. وهذا هو السبب وراء اهتمامنا بالإصلاح الروسي والإصلاحات الروسية التي يقودها “بوريس يلتسين”.
هذا المفهوم الشامل.. والناضج لمغزى الأمن والاستقرار.. نفتقده نحن كأمة عربية.. وبشدة.. ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا أن عجزنا عن استيعاب مفهوم الأمن الجماعي وطبيعة استحالة تجزئة هذا المفهوم.. هو السبب وراء التشرذم الذي حل بقضايا العرب الأساسية، فأمن أي دولة عربية.. لا يمكن أن يُنظر إليه بمعزل عن أمن الدول العربية الأخرى، وذلك ما تمليه علينا أسباب وظروف كثيرة.. سواء أكانت أسباباً تختص بالتقارب والجوار الجغرافي.. أو بالتقارب الثقافي.. أو حتى القبلي في أحيان كثيرة.. وخاصة في منطقة الخليج.
وحينما تتحدث دولة عظمى كأمريكا.. عن ارتباط أمنها المباشر بأمن دولة.. كانت تعتبر وإلى زمن قصير.. عدواً لدوداً.. تحتاط منه بالخطط العسكرية.. والبرامج النووية.. فإن ذلك لا يعني أن تبدأ وسائل الإعلام الأمريكية بالتغني وقول الشعر في العلاقات الأمريكية – الروسية (الحميمة).. والبحث في غياهب التاريخ.. عن لحظات صفاء عبرت بعلاقات الدولتين.. والعمل على إبرازها.. كما لو كانت الوجه الوحيد للعلاقة بين الدولتين.. لم يكن ذلك هو الأسلوب الذي عبّرت به أمريكا عن اقتناعها بارتباط أمنها باستقرار وأمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي المتهاوية.. وإنما جاء الأسلوب متماشياً مع ذلك الاقتناع الناضج بأن أمريكا – وبكل ما تحظى به من قوة – لا يمكن أن تستشعر أمناً حقيقياً.. دون أن تأمن أولاً عدم انهيار العدو الأسبق.. وذلك بانتشال روسيا من المأزق الاقتصادي الذي تمر به عن طريق ضمان المعونة المالية.. مع ضمان دخول المنتجات الروسية إلى الأسواق الغربية بما في ذلك السوق الأمريكية.
لقد أكدت أحداث الخليج واحتلال الوطن.. أن العرب يعيشون واقعاً.. ويتحدثون في خططهم وقراراتهم السياسية.. عن واقع آخر على الرغم من كل القرارات.. والاتفاقيات التي تجمعهم. إلا أن واحداً منها.. لم يرق بعد إلى حيز التنفيذ والتطبيق الفعلي.. فميثاق الدفاع العربي المشترك.. والذي صدر في يونيو 1950.. والذي ينص على اعتبار كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة من الدول الأعضاء.. يعتبر بمثابة اعتداء عليها جميعاً.. هذا الميثاق تم تجاوزه واختراقه.. سواء بصورة مباشرة.. أو غير مباشرة.. فلقد تم اختراق ميثاق الدفاع المشترك من قبل العراق في تدخله العسكري في الكويت.. واخترقته سوريا بتورطها في لبنان.. وتخترقه مصر والسودان.. من خلال الاتهامات والتهديدات التي أصبح يتبادلها كلا البلدين.. فالعرب لديهم.. مجلس دفاع مشترك.. يتكون من وزراء الخارجية والدفاع الوطني.. ولديهم كذلك لجنة عسكرية تتكون من ممثلي أركان حرب جيوش الدول العربية، إلا أن فاعلية تلك اللجان والمجالس ما زالت.. عاجزة عن حل المشاكل والنزاعات العربية – العربية.
قضية غزو الوطن.. ليست قضية ديكتاتور يحاول أن يتقمص دور زعيم الأمة العربية.. وإنما هي قضية قصور في فهم الأبعاد التاريخية والمستقبلية لمسألة الأمن الجماعي.. والاستقرار.. وإذا كانت رعونة.. وطموحات زعيم النظام العراقي الغبية.. قد زلزلت أسس الاستقرار والأمن من تحت أرجلنا.. فإن إنهاء الوضع بتحرير الوطن.. لا يعني عودة الاستقرار والأمن إلى المنطقة. فما زال العراق يُخبئ تحت المجاعة التي تلتهمه الآن.. وعدم الاستقرار السياسي الذي يصعب التكهن بمستقبله.. ما زال كل ذلك يُخبئ الكثير من عوامل عدم الاستقرار.. التي هي في انتظار المنطقة بأسرها.. وليس العراق وحده.
فلا نستطيع أبداً.. وتحت الظروف التي خلفتها حرب تحرير الوطن.. أن نكتفي بالترتيبات الأمنية.. وحصار العراق وتدمير أسلحته.. ليعطينا الإحساس بالأمن والاستقرار.. إذا ما لم نحاول أن نضع تصوراً لمستقبل العراق بعد هذا الكابوس.. فلن يكون الأمن والاستقرار أمراً واقعاً، فبحسب ما أورد تقرير بعثة الأمم المتحدة المقدم للأمين العام في 17 يوليو 1991.. فإن البنية الأساسية للمجتمع والاقتصاد العراقي طالها قدر هائل من الدمار.. يصل في حالات كثيرة إلى ٪100.. ولا يقل في الأغلبية العظمى من الحالات عن ٪20.. ويشمل ذلك محطات الكهرباء والصرف الصحي.. ومياه الشرب والجسور والكباري الرئيسة ومنشآت إنتاج وتكرير النفط.. والمنشآت الصناعية الكبرى..
هل نستطيع أن نأمن.. أو أن نشعر باستقرار.. ونحن نجاور بلداً منهاراً.. نخر في بنائه الجوع.. وأباد نصفه العنف والقتل.
إن تهديداً مشابهاً لذلك.. أصبح محيطاً بروسيا.. هو الذي جعل الرئيس الأمريكي يقرر مساعدات فورية فقط تقدّر بـ 1.6 مليار دولار.. للدولة العدو.
إن حمامات الدم التي ينتظرها العراق.. تجعل من واقع الأمن في المنطقة.. واقعاً غامضاً ومبهماً.. يتطلب تحركاً عربياً سريعاً ومدركاً لضرورة إنهاء النظام القائم في العراق. ولكن يبدو أن العرب قد أدمنوا منظر الدماء.. وإلا لما سقط مئة وخمسون ألف لبناني صرعى حرب أهلية.. ولما أزهقت أرواح مليون عراقي في حرب الثماني سنوات المجنونة.. ولما أصبح عدد القتلى في الحروب العربية – العربية.. أضعاف أضعاف تعداد القتلى في الحروب العربية – الإسرائيلية.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى