ملفات ساخنة

النظام العراقي وسراب العودة إلى الأسرة الدولية

النظام العراقي وسراب العودة إلى الأسرة الدولية

مجلس الأمن الدولي، قام يوم الثلاثاء الماضي، وبشكل روتيني، بتجديد العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على العراق، منذ عدوانه على الكويت في أغسطس 1990.. وبهذا الإجراء يكون المجلس قد أسدل ستاراً على آمال النظام العراقي، الذي كان يطمح في أن يؤدي ما اتخذه خلال الأشهر الأخيرة، من خطوات إيجابية على صعيد الامتثال لقرارات مجلس الأمن، إلى ظهور بوادر تشي بتحرك المجلس نحو النظر جدياً في أمر رفع الحصار الاقتصادي المضروب حوله، أو تخفيف قبضته، على أقل تقدير.. ولعل أكثر ما يبعث على الاحباط بالنسبة للنظام العراقي هو فشل المناورة الذكية التي ظل يتبعها طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، بهدف حصر النزاع بينه وبين المجتمع الدولي في الجانب الفني، المتعلق بتدمير قدرات العراق الحالية، وإحباط إمكاناته المستقبلية في مجال إنتاج أسلحة الدمار الشامل.. ففي الوقت الذي بات فيه هذا النظام يحس بأنه قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من نيل صك البراءة، بعد موافقته، في شهر نوفمبر من العام الماضي، على الخضوع لكل متطلبات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 715، فيما يتعلق بإخضاع برامجه التسليحية لرقابة دولية طويلة المدى، إذا بالجوانب السياسية لأسباب عزلته من المجتمع الدولي تطفو على السطح، لتؤكد استحالة صدور قرار الإفراج قبل معالجتها بشكل جذري ومُرْضٍ..
لقد استيقظ النظام العراقي فجأة على حقيقة أنه بالرغم من كل التعاون الذي أبداه مؤخراً في مجال تمكين اللجان الدولية الفنية من تحييد قدراته العسكرية غير التقليدية، وبالرغم من كل الجهود التي بذلها على الصعيد الدبلوماسي لاستقطاب تعاطف بعض أطراف التحالف الدولي المضاد، من أمثال تركيا وفرنسا، مع فكرة تخفيف القيود الاقتصادية المفروضة عليه، وبالرغم من حملات العلاقات العامة ومحاولات تزيين الصورة، المتمثلة في الإفراج عن سجناء، أو بالأحرى، رهائن غربيين كانوا محتجزين لديه، وفي إبداء استعداد لتأييد جهود صنع السلام في المنطقة، بما في ذلك التلويح بأغصان الزيتون إلى إسرائيل، بالرغم من ذلك كله، فإن المجتمع الدولي لم ينس بأن النظام العراقي ما زال يضمر النوايا العدوانية تجاه الكويت، ويرفض الاعتراف بها وبالحدود الدولية معها، وبأنه لا يزال يحتفظ بأسرى مدنيين كويتيين وغيرهم، وينكر حتى مجرد وجودهم لديه، وبأنه، كذلك، ما زال يمارس أبشع أنواع الانتهاك لحقوق الإنسان ضد مواطنيه سواء أكانوا في الشمال الكردي أو الجنوب الشيعي أو الوسط السني، بما في ذلك حملات التقتيل والإبادة والتشريد والتجويع والإجلاء القسري.. ولأن المجتمع الدولي لم ينس كل ذلك، فإن رسالته إلى النظام العراقي جاءت قاطعة كحد السيف، “دون الاستجابة لكل مقررات مجلس الأمن الفنية منها والسياسية وتلك المتعلقة باحترام القانون الدولي والشرعية الدولية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، لا نتعشم مطلقاً في أن تنفتح أمامك أبواب العودة إلى حظيرة الأسرة الدولية والمجتمع الإنساني”.
دلائل الإحباط تجاه فشل محاولات كسر طوق العزلة الدولية، جاءت محمولة على صوت الزعيم الأوحد، خلال الاحتفال السنوي الذي لا يزال يصر على إقامته تخليداً لما يسميها بـ”أم المعارك” وهو يهدد ويتوعد بمقاومة طائرات التحالف الدولي في مناطق التحليق المحظور، ويستمر في صب جام غضبه على الكويت وصديقاتها العربيات اللاتي اخترن الوقوف إلى جانب الحق في مواجهة المعتدي. صحيح أن مثل هذه التصريحات الملتهبة قد تشي بأن النظام العراقي قد يميل مدفوعاً باليأس إلى معاودة أسلوب التصدي والمواجهة في المرحلة المقبلة، غير أن الأوضاع الداخلية، حيث بلغ الضنك الاقتصادي والمعيشي مداه، مقروناً بضعف قدرة النظام على شراء الولايات التي تضمن بقاءه، وهو ما تؤكده الأنباء المتواترة حول وقوع محاولات اغتيال وأخرى انقلابية، ترجح أن يستمر النظام في حرصه على السعي من أجل الإفلات من شرنقة الحصار بشتى السبل الممكنة، ومن ذلك إبداء المزيد من المرونة في المحادثات الفنية التي ستواصل انعقادها، خلال الأيام القليلة المقبلة في نيويورك بينه وبين اللجنة الدولية المكلفة بإزالة ترسانته من أسلحة الدمار الشامل، على أمل إحراز تقدم يمكن أن يفضي إلى صدور إشارات أكثر تشجيعاً عن مجلس الأمن الدولي وهو ينعقد في مارس المقبل لإجراء المراجعة الدورية لموضوع العقوبات الاقتصادية…

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى