شئون عربية

مجتمعات الرقيق العربية

مجتمعات الرقيق العربية

لا شك في أن الظروف الدولية التي أدت إلى توقيع الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي هي ذاتها الظروف التي وضعت حداً لـ342 عاماً من الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا.. فكلاهما من معالم الحرب الباردة.. والتي يشهد العالم الآن تصفية تركاتها المتراكمة.. عبر كل تلك السنوات.
فكما جاءت بداية الحكم العنصري في جنوب أفريقيا في العام 48.. كذلك شهد العام ذاته بداية المأساة الفلسطينية في ظل الاستبداد العنصري الإسرائيلي.
غير أن تشابه الظروف لم يعكس تشابهاً في شخوص المأساتين. فبينما احتضن “مانديلا” قضيته التي قضى في سبيلها 27 عاماً في السجن، وساهم في توحيد الصفوف والحث على بناء جنوب أفريقيا جديدة، تراجع عرفات بالحق الفلسطيني إلى أدناه، ووقع اتفاقاً محدوداً يفتقد الوضوح، فيما يختص بمساحة الأرض الفلسطينية الممنوحة وحق الوجود فوق المعابر والجسور!!
ولكن ما الذي جعل مانديلا يحقق من خلال نضال سلمي، حلمه في إسقاط حكم الأقلية العنصري، وإقامة دولة ديمقراطية للجميع في جنوب أفريقيا.. بينما عجز عرفات في نضاله الذي لا يقل عمراً عن عمر نضال “مانديلا” عن أن يحقق جزءاً من الحلم الفلسطيني!!
أنها ولا شك القاعدة التي انطلق منها كلاهما وعمل من خلالها كلا الزعيمين، فبينما انطلق نضال الزعيم الجنوب أفريقي “مانديلا” من قلب جماهير آمنت وأيقنت بأن الطريق الوحيد نحو وضع حد لآلامها ومعاناتها، يبدأ من خلال إيمانها العميق واعتناقها التام للحرية.. والمساواة.. والتسامح.. كأساس للتعايش وكأولى خطوات وضع حد للصراع. بينما ينطلق الزعيم الفلسطيني من قلب جماهير مكبوتة محاصرة بأجهزة مخابرات منظمة التحرير.. وشرطة المنظمة.. جماهير لم تعرف من الحرية شيئاً.. إلا بكونها حقاً يمارسه الزعيم وأعوانه، ومن الحقوق الإنسانية والسياسية إلا ما يخص نخبة المنظمة وبعض العائلات الفلسطينية (العريقة) اقتصادياً ومالياً!!
إنها “أخلاق الرقيق” كما أطلق عليها فردريك نيتشه، والتي تميز مجتمعاتنا وشعوبنا للعربية عموماً عن باقي الشعوب الحرة والديمقراطية.. و”أخلاق الرقيق” (Slave Morality) هو اسم أطلقه الفيلسوف “نيتشه” على أي نظام فكر يسيطر ويقنع المستضعف من مهزوم ومقهور، بأنه في الحقيقة أفضل أو أرفع من مضطهديه.. وهو نظام فكر يخلق الخوف من التغيير أو من تأكيد الذات الخلاقة المبدعة. فهو نظام يعظم ويشجع الفتور والشعور بالواجب ويبرر السيطرة وقمع المشاعر، ويدعو إلى قبول تام للسلطة والتقاليد.
“أخلاق الرقيق” تلك هي التي جعلت الشعب الفلسطيني بكل فئاته خاضعاً لسيطرة ونفوذ منظمة التحرير وزعمائها، على الرغم من كل ما اقترفته من ممارسات سلبية بحق الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية والقضية بأكملها.
“أخلاق الرقيق” تلك، هي التي جعلت من ليبيا.. ذات البترول الأنقى في العالم.. دولة منهارة سياسياً واقتصادياً.. ووعياً أيضاً.. التي رسخت زعامة فردية عليها قرابة الربع قرن!!
“أخلاق الرقيق” تلك، هي التي جعلت شعباً كالشعب العراقي ينهار وينتحر أو يتسلل متخفياً عبر الحدود.. ليستقر في شتى بقاع الأرض.. وهي التي حولت أرضاً كأرض دجلة والفرات إلى صحراء قاحلة تتجول فيها الذئاب وتتضور جوعاً فيها الكلاب!!
“أخلاق الرقيق” هي التي جعلت منا شعوباً خاضعة لحكم العسكر، لا يصبح القائد فيها قائداً إلا إذا إرتدى البزة العسكرية.. وزين صدره بالأوسمة والشرائط فبينما يقود النضال في أفريقيا محامٍ وقور درس القانون وشغل الوظائف المدنية!! بينما نرى في عالمنا العربي قادة النضال. فتوات ومجرمين.. وقتلة.. أسبغوا على أنفسهم ألقاباً وأسماء.. لا أساس لها في تاريخهم العملي والنضالي!!
لذلك، علينا أولاً أن نتخلص من أخلاق الرقيق التي دفعت بنا كشعوب إلى ما هو عليه حالنا الآن.. قبل أن نرفع شعارات المطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة.. فنحن في حقيقة الأمر لا نؤمن بالحرية كحق بشري مطلق، ولا نجعلها أساس مطالبنا وشروطنا.. فحاق بنا حكم الخارجين على القانون.. وأمسك بزمام القيادة فتوات النضال العربي الذين أحاطوا أنفسهم بحلقة من العسكر والمخابرات. والشرطة السرية.. فعاشوا (زعماء) خالدين في مجتمعات “الرقيق” العربية.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى