شئون عربية

لماذا سقطت عمارة مصر الجديدة؟

لماذا سقطت عمارة مصر الجديدة؟

لا شك أن كارثة العمارة المنكوبة في مصر الجديدة بجمهورية مصر العربية، تعد كارثة بشعة بكل المقاييس والأعراف. حيث تقف جثث القتلى شاهداً ومثالاً حياً على درجة الجشع التي أصبحت تسيطر على طموحات بعض رجال الاقتصاد والعمل. جشع تتراجع معه أدنى المشاعر الإنسانية.. وكل مقومات الوطنية والإخلاص.
إلا أنها، وإن كانت كارثة تتم عن تدني الوازع الوطني والإنساني البحت، فإنها أيضاً تترجم خللاً في القوانين سواء أكان ذلك في صياغتها أم في الانصياع لها والالتزام بشروطها. وهو خلل عربي الهوية والمنشأ، تتفاوت نتائجه من دولة إلى أخرى، بحسب الظروف والمعطيات المختلفة. كارثة العمارة المنكوبة في قلب مصر العروبة، تفتح ملف المدينة العربية بوجه عام، خاصة في بداية حقبة الخمسينيات، وما تخللها من نمو بشري واقتصادي هائل، انعكس سلباً وبصورة مشوهة على نمو المدن العربية، خاصة العواصم منها، والتي أصبحت مجزأة ومقسمة بصورة خلقت تضاريس اجتماعية واقتصادية خطيرة ومقلقة بما جلبته من ظواهر ومشاكل اجتماعية وسياسية.
العمارة المنكوبة في مصر الجديدة، تهاوت وسقطت تحت ضغوط الحاجة إلى التوسع الرأسي في البناء لاستيعاب تلك الأعداد المهولة من البشر، والتي أتت زاحفة إلى المدينة هرباً من إمكانيات القرية المتواضعة، ومقومات الحياة الصعبة فيها..
وسواء أكانت القاهرة أم غيرها من العواصم العربية، فإن أحداً لا ينكر أننا اليوم أمام مأزق حقيقي، وقضية قد تكون تجسدت في القاهرة لظروف عديدة، إلا أنها بارزة وواضحة في عواصم ومدن عربية أخرى كثيرة. وإذا كانت تبعاتها الواضحة والظاهرة ازدحاماً وفوضى ومروراً خانقاً، فإن آثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتوقعة قد أصبحت محط قلق وخطر نعيش الآن بعضاً منها.
فالمدينة العربية أصبحت تعكس وبوضوح التفاوت الطبقي الذي أصبح مسيطراً بصورة جعلت للمدينة رداءين وروحين، وخلقت خطاً فاصلاً بين المطحونين من المواطنين، وبين أقرانهم المتمتعين بالحصة الأكبر من الدخل والرفاهية. وفي حالة مصر لم تستطع ظاهرة التحضر، والانتقال إلى المدينة أن تخلق مناخاً اجتماعياً وسياسياً منسجماً، بل وعجزت حتى عن أن تخلق انسجاماً جغرافياً، فكانت الحواجز قاسية وصارمة في تقسيم المناطق السكنية كانت فيها الحظوة في المرافق والتسهيلات وأساسيات الحياة وكمالياتها كلها من حق أحياء ومناطق معينة تقطنها جماعات هي الأخرى معينة ومحظوظة. ولقد شهدت مصر وعانت، وتعاني اليوم من سلبيات تلك الحواجز القاطعة، بما أفرزت من جماعات متطرفة وحاقدة، وكما هي الحال في جماعات “التكفير والهجرة” التي عجزت عن الانصهار في المجتمع الجديد فانقلبت عليه.
العمارة المنكوبة إذن هي واحدة من إفرازات ذلك الخلل في المدينة العربية بوجه عام. والتي بلا شك قد خضعت لتطرف في النمو أفرز تطرفاً حاداً في مجالات أخرى كثيرة، تعاني منها مصر وتتململ تحتها عواصم ومدن عربية أخرى، يموت نصفها اختناقاً وزحمة وضجيجاً، ويتجول نصفها الآخر في مساحات فسيحة ينعم بالهدوء والسكينة، ويتساءل قاطنوها عن الأسباب التي أسقطت العمارة المنكوبة!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى