حين سرق الساسة دور الفلاسفة

حين سرق الساسة دور الفلاسفة
يرى المراقبون أن قمة “شرم الشيخ” ما هي إلا حقنة منشطة لمسيرة السلام والتي بدأت مع أولى خطوات الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” فوق تراب القدس في العام 1977!! وذلك قبل أن تخرج بصيغتها الحالية المدونة في محاضر مؤتمر مدريد في العام 1991.. ثم تُعزز في اتفاقية “أوسلو” في العام 1993.. ثم معاهدة السلام الإسرائيلي – الأردني.. في العام 1994!! وبالرغم من اختلاف تلك السنوات.. إلا أن الصيغة المطلوبة للسلام في المنطقة كانت قد أعلنت منذ المبادرة السلمية المصرية الأولى التي تزعمها السادات!!
وبين العام 1977.. ومؤتمر “شرم الشيخ” شهد العالم العربي أحداثاً سياسية متفاوتة.. كانت لها آثار مباشرة في عملية “السادات” السلمية!! وإن كان التردد والتحفظ في تأييد الخطوة والمبادرة المصرية الأولى.. قد كان مسيطراً على التعامل العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني.. قبل أن يفجر غزو النظام العراقي للوطن.. قبل أن يفجر غزو النظام العراقي للوطن.. حقائق العلاقات السياسية المختبئة وراء الكواليس العربية – الإسرائيلية والتي أعلنت عن مبادرات عربية – إسرائيلية خفية.. بات من الضروري الإفصاح عنها لمسايرة المناخ العام للنظام العالمي الجديد ذي الرأس الواحدة!! ولكسب ود ورضا القوة الوحيدة المتبقية.. بعد انهيار حليف اليسار العربي في الاتحاد السوفيتي!!
وبطبيعة الحال.. فلقد نال مسيرة السلام ما نالها من نقد ورفض صادرين عن جهات متعددة في عالمنا العربي!! وهما نقد ورفض استند أغلبهما إلى عوامل الإخفاق في سياسة السلام.. وتحديد معالمها بصورة عادلة.. تمكنها من الاستمرار والبقاء المستقبلي!! وإذا كان الانتهاك قد طال الجانب السياسي في محادثات ومشاورات السلام.. فإن قمة “شرم الشيخ”.. قد جاءت ولا شك لتنتهك الجانب الأخلاقي في العلاقات البشرية بشكل عام!!
ومثلما فرض السلام سياسته الخاصة في المنطقة والعالم بوجه عام.. يأتي السلام الآن.. ليفرض أخلاقه الخاصة أيضاً!! والتي لم تخل وكما شهدنا من مزايا استأثر بها الجانب الذي فرض رؤيته في سياسة السلام!!
المشكلة التي تواجهها قمة “شرم الشيخ”.. تكمن في أن “الإرهاب” الذي ناقشته ودعت إلى مواجهته.. والتصدي له!! هو مفهوم “لقيط” كل يحاول أن يتنصل من نسبه له.. وارتباطه به!! مشكلة “شرم الشيخ” أن للإرهاب حوالي 108 تعريفات وكما أورد ذلك الكاتب “شميت” في كتابه عن الإرهاب السياسي!!
الإرهاب تعريف غامض سياسياً.. وفكرياً.. وتعريفه يرتبط دائماً بتحيزات إيديولوجية وقيمية وسياسية!! وهو أمر يجعل من الصعب بل من المستحيل أن يستقر زعماء العالم الذين اجتمعوا في “شرم الشيخ” على تعريف محدد للإرهاب!!
المشكلة الحقيقية في “شرم الشيخ” أن المجتمعين هم أكثر الناس إدراكاً لصعوبة تحديد مفهوم الإرهاب.. أو رسم إطار عادل وموحد للحدود الأخلاقية للإرهاب.. المشكلة هنا أن الجميع قد أتوا إلى “شرم الشيخ” للدفاع عن إرهابهم.. ولاستثنائه من أي تعريف دولي جديد للإرهاب!! أما المشكلة الأكبر لمؤتمر “شرم الشيخ” فإنها تكمن ولا شك في أنه وللمرة الأولى في تاريخ البشرية يضع الساسة حدود الأخلاق وأطرها.. بدلاً من الفلاسفة!! وبدلاً من “أفلاطون” و”نيتشه” يأتي “عرفات” و”بيريز” ليضعوا تصورهم للأخلاق!!
سيفرض مؤتمر “شرم الشيخ” تعريفه الأخلاقي للإرهاب.. وسيتم تحديد “الإرهابيين” وفقاً لذلك التعريف!! غير أنه سيكون تعريفاً مرحلياً.. لن تستطيع الذاكرة البشرية أن تحتفظ به!! فالأخلاق كانت دائماً.. نزعة غريزية لدى البشر!! وإحساساً داخلياً.. لا يمكن فرضه من الخارج.. إلا بالقوة أو بالسلاح!! فإذا كان الساسة قد سرقوا دور الفلاسفة في “شرم الشيخ” فإنهم بالتأكيد لن يحتفظوا به طويلاً.. لما فيه من عبء والتزام يتطلبان صبراً وجلداً لا يتوافر في الساسة!!
