شئون عربية

من يحفظ لبنان؟

من يحفظ لبنان؟

على وقع الانفجارات الأخيرة في بيروت، يزداد قلق اللبنانيين من احتمال عودة أجواء الحرب والصراع اللذين عصفا بالساحة اللبنانية أكثر من خمسة عشر عاماً! والسؤال الذي يطرحه الكثيرون اليوم يتلخص في مدى إمكان عودة الصراع والقتال إلى لبنان من جديد.
قد يكون اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري أثار قلقاً سياسياً سيطر على الأجواء السياسية اللبنانية، خصوصاً في ظل التفاصيل التي وردت في نص تقرير رئيس لجنة تقصي الحقائق الدولية في جريمة الاغتيال، وقد تستمر حالة القلق هذه إلى فترة من الزمن، لكنها وبنظر الكثير من المحللين لا يمكن أن تعيد الصراع داخل الأراضي اللبنانية لأسباب تعود إلى غياب أهم أقطاب الصراع السابق، ونعني هنا حزب البعث العراقي، الذي كان العماد السابق ميشيل عون يمثله في ساحة الصراع اللبنانية إلى عام 1990.
القضية الرئيسية التي يواجهها لبنان وشعبه الآن ليست حول من قتل الحريري، على الرغم من أهمية كشف الحقيقة في هذه الجريمة البشعة! ولكنها قضية تتعلق بالخصوصية السياسية التي طالما تميز بها لبنان كدولة تقع على تخوم صراعات فكرية وسياسية وتاريخية! فحرب السبعة عشر عاماً لم تكن حرباً لبنانية، وكما يشير البعض، وإنما كانت حرباً بين أقطاب متنافسة فكرياً وسياسياً، اتخذت من الأرض اللبنانية ساحة لحسم خلافاتها، ولتتوقف هذه الحرب مع انشغال أحد أقطابها في معركة أخرى، ونعني هنا انشغال حزب البعث العراقي في معركته الجديدة داخل الكويت وفي مواجهة دول العالم، وبالتالي توقف الدعم السياسي والمالي والعسكري للعماد ميشيل عون، الأمر الذي حسم معركة بيروت لمصلحة البعث السوري، والذي كان حينها يتصدر واجهة القبول الأمريكي والغربي إثر مساهمة سوريا عسكرياً في حرب تحرير الكويت!
هذه كلها حقائق لم ولن تغيب يوماً عن إدراك ويقين الشعب اللبناني! لكن من الضرورة إثارتها مجدداً ليتذكر اللبنانيون في ضوئها ملامح تلك الخصوصية التي طالما ميزتهم عبر تاريخهم السياسي! والتي يجب أن تبقى رهن ذاكرتهم، وأن يدركوا أن لعبة التوازنات داخل البيت اللبناني هي الضامن الوحيد لمستقبل بلا حروب ولا صراعات! وأن الاستعانة بأي قوة من خارج الأراضي اللبنانية ستعني حرباً جديدة يكون ضحيتها الشعب اللبناني وحده!
لقد استطاع لبنان، ومنذ فجر أربعينيات القرن الماضي، اللعب وبمهارة لعبة التوازنات السياسية التي مكنته كبلد صغير يحتضن طوائف وأعراقاً مختلفة، أن يزدهر ويتصدر واجهة الخريطة العربية، ويستمر كأبرز النظم الديمقراطية في عالمنا العربي الأسير في قمقم الدكتاتورية! وحين جرى العبث بتلك التوازنات، سقط لبنان في وحل حرب قذرة، سرقت من تاريخه سبعة عشر عاماً! وها هو الآن يوشك أن يعبث من جديد بخصوصية التوازنات هذه! أو لنكن أكثر دقة، هنالك من لايزال يقتات على تداعيات الإخلال بتلك الخصوصية اللبنانية، لتمرير مشاريعهم أياً كانت وجهتها! فليحفظ الله لبنان، ويقيه عبث العابثين! اللهم آمين!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى