ليست هلوسة ولا فتنة!

ليست هلوسة ولا فتنة!
للغة بشكل عام ديناميكية تجعلها دائماً متجددة ومسايرة للأحداث والأوضاع، وبما فيها الأوضاع السياسية! بالنسبة للعالم العربي، فقد أدخلت الأوضاع مفردات جديدة على القاموس السياسي العربي، فجاءت مفردة السحل من العراق، والبلطجة من مصر، والتوريث من سوريا، والزحف من ليبيا، وهكذا، ولكن المفردة اللغوية المشتركة بين كل الأنظمة العربية هي مفردة المؤامرة وبذر الفتن، ومثلما اتهم القذافي ثوار ليبيا بأنهم وراء المؤامرة، التي تحاك ضد ليبيا الشعب والدولة، كذلك أشار النظام المصري السابق إلى مؤامرة للإخوان للسيطرة على مصر، كما جاء نصيب النظام في سوريا من اتهام المؤامرة والمتآمرين كبيراً، وبكونهم وراء الأحداث والمطالب الإصلاحية الأخيرة في سوريا! السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي فعلته الأنظمة العربية لكي تكون مستهدفة؟ وما الإنجازات التي حققتها والتي تنافس الآخرين لكي يسعوا إلى معاداتها؟ وما التهديد الذي تشكله لهؤلاء، لكي يعملوا على بذر الفتن فيها؟ حدودها مع إسرائيل آمنة وتعشش فيها الحمائم، وإسهاماتها العلمية والصناعية خاوية وساكنة لا يطمع مبتدئ في منافستها. المؤامرة كانت دائماً هي المفتاح الذي أقفلت به الأنظمة العربية أبواب الحرية والانفتاح! والمؤامرة هي الحجة التي استخدمتها الزعامات العربية لتأجيل كل مشاريع الإصلاح والتنمية! وهي كذلك العذر الشرعي الذي استخدمته الأنظمة لحظر أي تحول حقيقي نحو النظام الديمقراطي، ومبدأ تداول السلطة!
عبر أكثر من خمسة عقود عاشت الشعوب العربية في ظل قمع السلطة، وتم استنزاف خيراتها لتمتلئ أرصدة السلاطنة العرب بالمليارات، بينما انزوت الشعوب في مساكن آيلة للسقوط! وقد رأينا كيف هي مساكن وشوارع دولة غنية مثل ليبيا! عبر أكثر من خمسة عقود، لم تقاتل الأنظمة العربية بخلاف حروبها الخاسرة، ولم تساهم في مشاريع تنموية حقيقية يلمسها المواطن القابع في قعر المدينة وأريافها! فأين ذهبت الأموال إذن؟ الثورات العربية الأخيرة جعلت أنظمة الحكم تتنافس في تسمية الثوار، ففي مصر كانوا بالنسبة للحزب الوطني الحاكم سابقاً لا يتعدون كونهم “شوية عيال”، بينما هم “جرذان” و”مهلوسين” بمقياس القذافي وجماعته! أما في سوريا، فقد التزم النظام بالتعريف التقليدي، أي بأن مطالبات الشعب بالإصلاح ليست إلا دعوة إلى الفتن، ومؤامرة يحيكها الأعداء!
وبصرف النظر عن كل هذه المفردات تبقى مفردة الثورة العربية الجديدة هي القابلة للصمود، مفردة الحرية، ولا شيء غير الحرية!
