شركات مساهمة.. للنضال

شركات مساهمة.. للنضال
ماذا يعني أن تعلن الولايات المتحدة عن قرارها تجميد أموال أكثر من 12 منظمة شرق أوسطية و18 شخصية تترأسها أو مرتبطة بها؟!
قد لا يعني ذلك شيئاً من وجهة نظر مالية بحتة!! ولكنه سياسياً قد جاء ليرفع عن (مناضلي) الوطن العربي آخر وريقات التوت، والتي استطاعوا ولزمن طويل أن يخفوا وراءها أهدافاً وأغراضاً لم يكن بينها يوماً تخفيف هموم المواطن العربي ولا العمل لصالحه!!
قد لا يكون أمر (فرق النضال) تلك مجهولاً بالنسبة للعديد من مواطني العالم العربي، غير أنهم بلا شك كانوا يشكلون آمالاً وتطلعات لدى شريحة كبيرة من المواطنين، وهي آمال فرضها واقع عربي أليم، بين حروب خاسرة وسلام أفدح خسارة!!
لكن أن تتصدر القائمة تجميداً لأموال أفراد مثل: أبو العباس وأبو نضال وجورج حبش بل وحتى عبود الزمر وأحمد جبريل وعماد مغنية. فذلك أمر يثير في النفس إحساساً بالتقزز والمرض!! وأن تشمل اللائحة إجراءات ضد حركات مثل: (حماس) و(طلائع الفتح) و(منظمة المستضعفين في الأرض) و(أتباع الرسول محمد).. والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.. وكذلك الجبهة الشعبية.. فإن ذلك يعني صفعة قاسية في وجه كل من اعتبر أياَ من تلك الحركات تتحدث أو تتحرك باسمه!! بعد أن اتضح مدى تشابكها بالمصالح واقتصاد الأمريكيين.. والتي طالما وقفت موقفاً معادياً منهما..
مأزق المواطن العربي مع رموز نضاله، لم يبدأ مع تساقطهم بعد عجزهم عن مواجهة التحديات التي فرضها الواقع وأفرزتها الأحداث!!
مأزق المواطن العربي كان في أسلوب تكون تلك الرموز النضالية!! وعلّة المواطن العربي تأتي من أنه قد ساهم وإلى حد كبير في استمرارها حيث تجاهل دوماً الفجوات الهائلة بين ممارسات جماعات النضال تلك، وبين خطابها السياسي اللفظي!!
إن روح النضال التي انبعثت في شعوب المنطقة العربية لمواجهة غبن الاستعمار وهيمنته أو للتصدي لفساد وانتهاز بعض الأنظمة السياسية! تلك الروح لا شك قد عجزت عن أن تقتحم وأن تبقى جزءاً من الوجود الاجتماعي والفكري لتلك المجتمعات!! فما كان إلا أن تبدل حال تلك الهيمنة الاستعمارية.. والسلطة السياسية الفاسدة.. لتصبح سلطة ذات نظرية ثورية شرعية.. أو حكم يحمل فتوى قدسية مصونة!!
الثورات العربية وحركات النضال والتنظيمات الحزبية على اختلاف أهدافها، لم تنجح في إزالة مصادر البؤس والألم لأي من الشعوب التي كانت تناضل وتثور باسمها!! كما لم تؤدِ أي من الثورات العربية إلى تغير ثوري نوعي يستحق أن يعلن نفسه بديلاً عما كان قائماً!! وهو أمر جعل الكثير من المجتمعات العربية تحن إلى أنظمة الفساد التي تهاوت وإلى زمن الاستعمار اللذين أصبحا رمزاً للاستقرار النسبي مقارنة بما أصبحت عليه الأحوال!!
حركات النضال تلك فشلت لأنها جاءت لتتوج نفسها سيدة للمجتمع لا نتاجاً له وكأن برنامج تلك الحركات الذي أعلنته في البداية، برنامجاً يرمي إلى تعزيز القومية القديمة التي قوّضها الاستعمار بسنواته الطويلة، حتى لقد نزع عنها معالم مثل اللغة في بعض الأقطار العربية، ولما عجزت، كما هو واضح للعيان أن توفر الخبز والماء لجياع العرب، تحولت إلى اللاهوت والدين لتبرر العدالة الاجتماعية على ضوئها!! وأصبح الحفاظ على الهوية الدينية قاسماً مشتركاً بين أغلب حركات النضال العربية!! لذا فإن أحداً لم يستنكر ذلك التحول المفاجئ في عقيدة أصحاب الحزب الواحد من مثل رئيس النظام العراقي، الذي تحول عن زعامة العالم العربي إلى إمامة العالم الإسلامي، طمعاً في استقطاب أوسع، بعد أن أخل بالنظام وبالبرنامج القومي العربي الذي طالما تبناه فريق النضال البعثي!
مشكلة حركات النضال في مجتمعاتنا العربية أنها لا تملك برنامجاً واحداً ثابتاً ولا هدفاً راسخاً!! مشكلتهم أنهم أصبحوا يقتاتون ويعيشون على ما تجلبه شعارات النضال والتحدي التي ينادون بها!! مأزقهم أن استمرارهم أصبح رهن بقاء معاناة البسطاء وبؤسهم.. فها هي “فتح” عاجزة حتى عن دفع مخصصات شرطة الأمن في (فلسطين المحررة).. وتوشك خزائنها على الإفلاس حين أقلعت عن النضال!! مشكلة هؤلاء (المناضلين) أنهم أصبحوا شركات مساهمة مضطرة إلى بيع أسهمها مع توقف مصدر الربح!!
مأساة حركات النضال تلك، ومأساتنا جميعاً معها أنها أصبحت هي الهدف والغاية.. بدلاً من أن تكون نتاجاً طبيعياً لأهداف وتطلعات!!
