الإخوان ومعبدهم السري!

الإخوان ومعبدهم السري!
• في بلاد الربيع العربي نقارن بين السيئ والأسوأ ما كان وما أصبح، رغم ذلك نستبشر خيراً لأن محفزات الثورة داخلية وأكثر عمقاً.
أتذكر أنني كتبت مقالاً في عام 1992 أقول فيه إن أسوأ ما فعله صدام حسين أنه أضفى شرعية على أنظمة عربية لا تقل عنه سوءاً، وإن المقارنة آنذاك بين أنظمة دموية كنظام صدام حسين وأنظمة قمعية ولكن غير دموية، هي مقارنة الضعيف واليائس، وإن تفضيلنا للثاني على الأول على اعتبار خلوه من الدم والعنف، يعني أننا نحلم بالتغيير بشكل متواضع جداً، وإن اعتبارات الكرامة والحرية والحقوق البشرية لم تكن ضمن أحلامنا البسيطة، وإن أقصى ما نحلم به هو حاكم لا يعلق المشانق ولا يدير غرف التعذيب!
الذين يروجون اليوم لحقبة الرئيس السابق حسني مبارك على اعتبار أنها أفضل من حقبة الإخوان الرديئة، هم بلا شك يسعون إلى تجزئة التاريخ وإلى اختزال الربيع العربي في حقبة الإخوان، وأيضاً أولئك الذين يرون أن نظام صدام حسين هو أفضل من الواقع العراقي اليوم، هم بلا شك يجهلون التاريخ وشروطه القاسية للتغيير!
لقد عاش العالم العربي بأكمله، ولقرون طويلة، تحت نير البطش والعنف والدكتاتورية وذلك خوفاً من التغيير الذي قد يخبئ مجهولاً لا يقل رعباً، ورضيت الشعوب العربية بقادة من أمثال القذافي وعلي صالح ومبارك وصدام والأسد وغيرهم بسبب غياب البديل، ومرت سنوات طويلة من الخوف والذعر دون أن تلوح في الأفق أي تباشير تنذر بواقع جديد مختلف، إلى أن اندلعت شرارة البوعزيزي من تونس لتتساقط من بعدها أنظمة كانت شبه خالدة وليزداد يقين الشارع العربي بدوره وبقدراته وبحقه في الاختيار.
قد يكون الوضع غريباً بعض الشيء، وقد نلتمس العذر في أحيان كثيرة لبعض المشككين في جدواه، فنحن لم نعهد من قبل ثورات ولا حركات تصحيحية لا تسعى من وراء تحركها إلى الحكم والنظام، لقد تعودنا على معارضة تنافس الحكومات على سلطاتها، لكننا اليوم أمام واقع جديد وشوارع تتحدى المألوف في النضال، ولا تحمل مشروعاً صاغه البيان رقم واحد للاستيلاء على الحكم. فكل ما تطالب به هذه الجموع الشبابية الهادرة هو حق مجتمعاتها في حياة أفضل!
نعم الإخوان ليسوا أفضل من حسني مبارك، بل على العكس، قد يكونون أسوأ من نظامه، تماماً كما أن الوضع في العراق اليوم ليس بأحسن حال مما كان عليه أيام صدام حسين، لكن في كلتا الحالتين لا يمكن تبرير السيئ مقارنة بالأسوأ منه.
إن الثورة الحقيقية هي ثورة الوعي الفردي والاجتماعي، وذلك بحد ذاته يجعلنا نستبشر خيراً في ربيع العرب، فلأول مرة في تاريخ العرب الحديث، تطرح الشوارع العربية الملتهبة قضايا كالكرامة والحرية والحقوق الإنسانية، وتصطف قوى المعارضة الشبابية مطالبة بحياة أفضل ومستقبل أكثر أمناً، وكرامة غير منتهكة، ولم تكن من ضمن المطالب سلطة أو وزارة أو نفوذ.
إن ثورات الربيع العربي لم تنطلق بفعل مؤثرات خارجية، وإنما بسبب محفزات وتراكمات داخلية أساسها القمع والفقر والجوع وامتهان الكرامة، هي ثورات ليست للإطاحة بأنظمة سياسية، وإنما هي أعمق بكثير، هي ثورة لوعي الذات، وسواء بقي الإخوان في مصر أو رحلوا، فإن التغيير القادم أكبر بكثير من معبدهم السري.
