الحلم العربي القديم الجديد!!

الحلم العربي القديم الجديد!!
في لقاء ضم رئيس مجلس الأمة مع رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور محمد فتحي سرور دار الحديث وكعادة الحوار في اللقاءات العربية، الذي يدور دائماً حول التضامن العربي وحلم الوحدة العربية. فيتنهد الجميع وهم يتحسرون على ذلك الحلم العربي الذي أبى إلا أن يبقى حلماً على الدوام!! لذا فقد طالب رئيس مجلس الشعب المصري عقد قمة عربية لإعادة التضامن العربي، إذ لم يعد أمراً يمكن تأخيره أو إرجائه ولم يعد مسالة خلاف!! إن مشكلة التضامن العربي أنه لا يزال خاضعاً للعقلية التي حكمت وتحكمت بذلك المشروع منذ بدايته. فجعلت من الوحدة العربية شعاراً يرفعه أهل السياسة في لقاءات موسمية تضمهم، ويتحدث عنه أهل الفكر والقلم على صفحات جرائدهم ومقالاتهم وفي منتدياتهم الفكرية والشعرية!! لم يكن مشروع الوحدة العربية مشروعاً جاداً، وإنما كان دائماً الواجهة “الضرورية” والتي تبنتها كل أنظمة الحكم العربية لتعلن من خلالها وطنيتها وإنتماءها العربي الصادق!! لقد أكد كل من رئيس البرلمان الكويتي وقرينه المصري في ذلك اللقاء على دور النظام العراقي في تفتيت التضامن العربي والوحدة العربية!! حيث أعلن الدكتور “سرور” أن احتلال النظام العراقي للكويت قد سبب شرخاً لا يزال يقطر دماً في بنيات الأمة العربية!! وهو وإن كان أمراً حقيقياً وفعلياً إلا أنه قطعاً لا يحوي الحقيقة كلها ولا يعبر عن مكامن الخلل الفعلي في العلاقات العربية التضامنية، ولا يفسر الأسباب الرئيسية التي تقف وراء كل خلل طال المحاولات العربية لخلق أدنى قدر من التعاون أو التضامن!! وإذا كان غزو النظام العراقي للكويت قد أثار شيئاً فيما يتعلق بالعلالقات العربية، فهو ذلك المناخ السيء الذي طالما سيطر على الواقع السياسي العربي بأنظمته وبعلاقاته، والذي أتاح الفرصة لرئيس النظام العراقي لكي يقوم بمغامرته الجريئة والشاذة!! ولو كان هنالك قدر ولو ضئيل من التضامن العربي لما تلعثم القرار العربي وتباطئا في إدانة الغزو العراقي وذلك في اجتماع القمة الطارئة التي عقدت في القاهرة وذلك في العاشر من أغسطس 1990!! ولو كانت هناك أرضية ثابتة للمواقف العربية ولمبادئ التعاون والتضامن لما تجرأ “صدام حسين” على اقتحام وانتهاك دولة عربية شقيقة لها وجود في الخارطة العربية ولها مقعد وممثلون في جامعة الدول العربية!! صدام حسين جاء كنتيجة لانعدام التضامن العربي ولغياب التعاون العربي. ولم يكن أبداً سبباً فيه!! وذلك بكل تأكيد ليس دفاعاً عن صدا حسين ولا تبريراً لفعلته المشينة والشاذة، وإنما تذكيراً بطبيعة البيئة والمناخ الذي أفرز حكاماً كصدام حسين وأنظمة كنظام حزب البعث الحاكم في بغداد الحزينة!!
مشكلة التضامن العربي إذاً ليست صدام حسين ولا غيره!! وإنما هي في غياب أرضية وخلفية سياسية صلبة وثابتة يضع العرب فوقها أوراقهم وتصوراتهم!! وبسبب ذلك الغياب فقد فشلت كل محاولات التقارب العربي على اختلافها!! وسواء كانت التجربة الوحدوية المصرية السورية في خمسينات هذا القرن، أو الاتحاد المغاربي، أو حتى مجلس التعاون الخليجي. فإنها جميعها لم تخرج في محاولاتها التضامنية من حيز التنظير وخانة فلسفة الوطنية في ديباجاتها وبرامجها الختامية!! لأسباب أهمها على الاطلاق عدم وضوح الرؤية السياسية في أي من أنظمة الحكم العربية، وبالتالي الفشل في تهيئة المناخ والأجواء السياسية وذلك قبل البدء بوضع أي برنامج أو مشروع تضامني عربي!! لكن كل هذه المعوقات لا تلغي حاجة المجتمع العربي إلى بناء شبكة تضامنية وتعاونية تحت أي مسمى وأي بيان!! خصوصاً بعد أن عانى العرب كثيراً من جراء غياب كل أنواع التعاون والتضامن الجاد والمثمر! ولا سبيل إلى ذلك إلا بالخروج بالحلم العربي الوحدوي إلى حيز الموضوعية والتنفيذ من خلال ربط المصالح العربية اقتصادياً وعملياً. سواء من خلال تبادل الأيدي العاملة والخيرات، أو عن طريق تسهيل حركة رؤوس الأموال العربية داخل البناء العربي الواحد!! بمعنى آخر ربط المصالح العربية بصورة فعلية وليست شفهية، وكما حدث في مشروع السوق العربية المشتركة!! لذا فإن الدبلوماسية البرلمانية التي عبر عنها رئيساً البرلمان الكويتي والمصري لن يتعدى أثرها ونطاقها ذلك اللقاء الحميم والذي يأتي في إطار الحلم العربي القديم الجديد!!
