هل انتصر بشار الأسد؟

هل انتصر بشار الأسد؟
يُدرك الجميع بلا شك أن السياسة هي فن المُمكن، وأن المواقف السياسية غالباً ما تحكمها تطورات الأحداث من حولها. لكن ذلك لا يمنع أن تُثير بعض التحوّلات السياسية الدهشة لدى البعض، وتدفع المراقب والمتابع للبحث في جذور أخرى بخلاف المُعلَن.
تطورات الأحداث في سوريا هي من النوع الذي يُثير الدهشة، فبعد أن كان الرئيس السوري بشار الأسد عدواً يجب إسقاطه، وبعد أن كان رحيله شرطاً لعودة سوريا إلى الحُضن العربي، ها هي بعض العواصم العربية تبدأ في البحث عن ترتيبات ترى أنها تصب في مصلحة الأطراف كلها بمن فيهم الرئيس السوري، فبعد انقطاع تجاوز الأحد عشر عاماً، تبدأ بعض الدول العربية في التمهيد لإعادة سوريا الأسد إلى حضنها العربي.
فهل نستدل من تطوّر كهذا في الأحداث على أن بشار الأسد قد انتصر في الحرب؟ أم أن هنالك أموراً تخفى على العامة، ومصالح كانت تفاصيلها تُحاك تحت طاولات الخلاف السياسي؟
بداية تجدر الإشارة هنا إلى أن لا منتصر في الحروب، ولا يوجد نصر بالمعنى الدقيق للمفردة في أي حرب خاضتها البشرية، فغالباً ما يحمل إعلان النصر من طرف دعوة إلى هزيمة أو عنف أو تداعيات خطرة، شهدنا ذلك في أقرب الحروب حداثة، في العراق وليبيا وأفغانستان وغيرها من مناطق النزاع والحروب والتوتّر.
تستدعي الذاكرة خطاب الرئيس الأمريكي “بوش” عن حرب العراق حين ذكَرَ في خطابه ذلك مفردة “النصر” 15 مرة، وهو يقف أمام لوحة تُشير إلى “خطة النصر” الأمريكية في العراق. ولعل تطورات الوضع في العراق فيما بعد تُجيب عن السؤال حول ما إذا كان ما حقّقته أمريكا في العراق يرقى إلى مرتبة النصر!!
الحروب كلها مدمّرة ومروّعة، وتحصد من الأرواح والثروات الكثير، وتنتهي غالباً بأوضاع قد تكون أسوأ من الحرب نفسها، وهذا على اعتبار أن الحرب إذا ما انفجرت فإنها تنتهي أصلاً.
الحرب عادة لا يُنهيها انتصار طرف على آخر من الناحية العسكرية، وإنما تختمها تحالفات ما بعد الحرب، وهو ما حدث فيما بين الحربين الأولى والثانية، حين جاءت التحالفات أضعف وأقل عدالة من أن تصمد فكان أن جرَّت الحرب الأولى حرباً ثانية أبشع وأكثر خسائر.
اليوم ومن قلب الأمم المتحدة خرج من ينادي بضرورة احترام سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، مع رفض التدخلات الأجنبية في سوريا، والمتابع لا شك لا يملك إلا أن يتساءل حول المستجدات على أرض سوريا الأسد والتي بسببها تحوّلت لهجة البعض من عدوانية إلى لهجة تحمل كل مؤشرات التعاون، بل وتدعو مباشرة إلى التحالف والتبادل التجاري والاقتصادي. فهل يعني ذلك أن الحرب على سوريا والعداء لبشار الأسد قد زالت مسبباتها أم أنها فنون السياسة التي غالباً ما تَقتَنص الفرص من قلب فوضى الحروب وبشاعتها؟
يبدو أن العالم قد أصبح متمرساً في خفايا الحروب، والعالم هنا لا يعني الفصائل السياسية والأنظمة، وإنما الشعوب التي تمرّست على ما يبدو بحكم التجارب في البحث عن أسباب أعمق مما يعلنه السياسيون في دهاليزهم. مُدركين بأن الرئيس السوري لم يكن هو “الأزمة”، وأن أموراً أخرى هي التي كانت تُدير المشهد السوري.
الناس أصبحوا يرون تشابهاً بين الحرب في سوريا طوال أكثر من عشرة أعوام، والحرب الراهنة في أوكرانيا، من أوجه التشابه ما ذكره أحد الباحثين في شؤون الشرق الأوسط، حيث وضع جدولاً للمقارنة بين المشهدين، السوري والأوكراني، يشير فيه إلى أن هناك تشابهاً في آلية العمل والدعاية، في سوريا كان هناك كلام عن حرب ضد إرهابيين، بينما يرى الرئيس الروسي اليوم أن من أهداف حربه السيطرة على ما أسماه «النازية الجديدة» في كييف.
سوريا ستعود إذن إلى الحضن العربي مع بقاء الرئيس بشار الأسد، فهنالك مشاريع الإعمار المليارية والتي ستُذيب ثلوج أعتى الخلافات السياسية تماماً مثلما حدث في العراق، وسيحدث لاحقاً في أوكرانيا. ففي نهاية الأمر تنتهي الحرب غالباً بتحالفات اقتصادية، وخاصة في ظل تبدّل صور الاحتلال منذ النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تحوّل من احتلال عسكري إلى احتلال اقتصادي يهدف إلى السيطرة على الأسواق والموارد.
