في بيروت نحن جميعا شهود زور

“في بيروت.. نحن جميعاً شهود زور”
آه.. يا بيروت..
يا صاحبة القلب الذهبي
سامحينا
إن جعلناك وقوداً وحطب
للخلافات التي تنهش من لحم العرب
منذ إن كان العرب!!
آه يا سيدتي
كم نتعذب
عندما نقرأ أن الشمس في بيروت.. صارت كرة في أرجل المرتزقين!!
نزار قباني
وتلك بلا شك.. هي معضلة لبنان.. ومشكلته الكبرى!! أنه أصبح أرضاً ومسرحاً لمرتزقة السلاح.. والسياسة والاقتصاد!! ما يحدث في لبنان الآن… ليست حرباً!! بل إبادة!! ما يحدث في لبنان الآن… ليست سياسة.. بل دعارة أخلاقية.. تجاوزت في حدودها كل ما جبلت عليه النفس البشرية من مثل… وقيم.. ومعتقدات.. وأخلاق!! ما يحدث في لبنان الآن… هو إعلان عن همجية الجنس البشري.. وعدوانيته المتأصلة والتي يشمئز منها أشرس حيوانات البرّية!! مشكلة لبنان اليوم.. أنه يدار وفقاً لقوانين المرتزقة.. وقاطعي الطريق!!
حمام الدم الذي انفجر يوم الثالث عشر من أبريل 1974.. سيبقى مفتوحاً ورطباً.. طالما نحن بقينا نتفنن في إطلاق التسميات والتعريفات على حرب لبنان.. فتارة هي طائفية.. وتارة أخرى.. هي دفاع عن حق مشروع!! دون أن نتوقف لحظة.. لنسأل.. لماذا يجري ما يجري في لبنان وهو سؤال.. وللأسف الشديد… محظور تداوله.. لأن الكل.. مسؤول عما يجري في لبنان!! والكل.. يريد للحرب أن تستمر.. وللقلق أن يكون سمة دائمة على الأجواء اللبنانية.. لأن “لبنان” هادئ.. “لبنان” مستقر.. هو لبنان خطر.. يهدد (الأمن والاستقرار) لدول الجوار.. والمنطقة!!
إسرائيل.. من جهة.. ترى جوانب الخطر.. كامنة في استمرار لبنان.. بلداً مجاوراً.. مستقراً على الرغم من كل مظاهر التعددية.. والطائفية السياسية والعقائدية التي يتسم بها فهي – أي إسرائيل – ترى أن الوسيلة الوحيدة للانصهار في المنطقة.. تكمن في خلق مجتمع سياسي مشابه للمجتمع الإسرائيلي.. من حيث مقومات التكوين.. أي على أساس القومية والعنصر والدين!! ومن هنا فقد جاءت شرارة الحرب اللبنانية.. بحادثة “الباص” الشهيرة.. والتي أطلقت أول الصرخات الطائفية في شوارع بيروت.. حين تعالت الأصوات مهددة بأن “الإسلام” يقتل بأيد مسيحية!! والذين عاصروا ذلك الحدث.. يذكرون جيداً كيف تعالت الهتافات في تظاهرة ساخطة.. مطالبة بالقصاص من المسيحيين الذين قتلوا المسلمين!! وحين تعالى الشعب اللبناني على جراحه وهتف بصوت واحد ضد المخطط والمشروع الصهيوني.. والتحم تحت شعار وحدته الوطنية!! وعادت بيروت من جديد منارة وصرحاً عربياً.. ومهبطاً للسياحة.. ومركزاً اقتصادياً ومصرفياً!! تنامى القلق الإسرائيلي من جديد.. وأصبح لبنان هذه المرة بأكمله هدفاً للجنون الإسرائيلي!! ولم تفرق طائرته بين مواقع (حليفة) مثل (المتن) مقر الكتائب وبين صور.. وصيدا.. وقرى الجنوب!! وأصبح الهدف الأساسي الآن لإسرائيل.. أن ينهار لبنان اقتصادياً.. وأن يتفكك إلى مجتمع طوائف.. في سبيل أن يبقى النموذج الإسرائيلي.. صالحاً.. في سبيل أن يبقى النموذج الإسرائيلي.. صالحاً.. ومقبولاً!! وإذا كان للبعض والحقد الإسرائيلي مبرراته التاريخية.. والسياسية!! فإن للبغض العربي مبرراته الخاصة كلك!! فلبنان مستقر.. يعني “لبنان” خطراً على أنظمة الجمود والقمع العربية!! و”لبنان” مستقراً.. يعني “لبنان” قادراً على احتواء الحرية.. وتصديرها.. واستضافة الأحرار العرب… ومساندتهم!! “لبنان” مستقراً.. يعني فكراً حراً.. وديمقراطية.. وحواراً.. وصحافة!! وكلها أمور.. لا تقل خطراً.. عن أسلحة المعارك الفتاكة.. لدى أنظمة الحكم العربية!!
نحن جميعاً.. منغمسون حتى النخاع في مأساة لبنان!! ولن نستطيع أن نتحدث اليوم ونحن نشهد الدماء تتفجر من جديد.. ولبنان يحترق ويشتعل للمرة الألف!! إلا بالشعر.. والنثر والخطابة!! وأي حديث آخر.. سيكون مؤلماً.. وموجعاً.. لأنه سيكون حديثاً ونقداً موجهاً إلى الذات والنفس العربية!! ويا ليتنا نبدأ الآن به.. قبل أن نحترق جميعاً في نار بيروت!! فلنقف وقفة صدق ولنعترف لك يا بيروت:
بأنا كنا أميين
وكنا نجهل ما نفعل
نعترف الآن.. بأنا كنا من بين القتلة!!
ورأينا رأسك
يسقط تحت صخور الروشة كالعصفور نعترف الآن
بأنا كنا ساعة نُفذ فيك الحكم شهود الزور!!
