شئون عربية

سوريا.. اللاعب الماهر!

سوريا.. اللاعب الماهر!

الموقف السوري من عملية السلام القائمة في المنطقة. أصبح مثيراً لتساؤلات كثيرة. فعلى الرغم من الإيضاح السوري بعدم معارضته للسلام في المنطقة.. إلا أن سوريا لا تزال على موقفها من معارضتها لتجزئة السلام في المنطقة وحرصها على إحراز سلام شامل لنزاع الشرق الأوسط. فالانطباع الوحيد الذي خرج به رئيس مجلس الوزراء اللبناني السيد رفيق الحريري؛ عند لقائه بالرئيس الأمريكي.. هو أن الرئيس كلينتون؛ مقتنع بأن السلام غير ممكن دون سوريا.
لو عدنا إلى الوراء قليلاً. وإلى عام 73 بالتحديد.. فلن نجد أن هناك تغيراً كثيراً في الموقف السوري عما كان عليه آنذاك.. فالإصرار السوري على إيجاد حل شامل للصراع.. بدأ بموقف سوريا آنذاك من الحل السلمي المنفرد الذي خطاه الرئيس المصري آنذاك أنور السادات وبحيث اتضحت معالم الرفض السوري لأي عملية صلح منفردة تقوم دون أن تشمل المنطقة بأسرها. لا شك أن سوريا ورثت عرش الزعامة العربية.. بعد أن تم عزل “مصر” إثر توقيع معاهدة “كامب ديفيد”. وهي بالتأكيد حريصة كل الحرص على الاستمرار في دورها كراعية للمشاعر القومية العربية. إيماناً منها بأن حرصها ذلك هو أقوى الأوراق في يدها على الإطلاق.
سوريا. حريصة أيضاً على عدم الدخول في سلام متهوّر كالذي سلكته منظمة التحرير الفلسطينية. و”من وراء ظهر الجميع” كما وصفته مصادر سورية.. على الرغم من الضغوط التي تواجهها لتوقيع إعلان مبادئ مع إسرائيل على غرار الإعلان الذي وقعته المنظمة هذا إلى جانب أن كل المشاريع التي قدمتها إسرائيل لإبرام اتفاق مع سوريا.. هي دون الطموحات السورية بكثير في عملية إعادة الترتيب القائمة في المنطقة والذي بلا شك أن سوريا تطمح أن تخرج منها بأكثر من استعادة الجولان فقط أن ما يساعد سوريا على الاستمرار في موقفها.. هو إدراكها جيداً للمكانة التي تتصدرها بين الدول العربية والتي حاولت الولايات المتحدة أن تتجاهلها. وذلك من خلال المراسيم الأسطورية التي تمت بها عملية التوقيع في واشنطن.. والمحاولات الساعية إلى تعظيم مكانة الرئيس الفلسطيني “ياسر عرفات” عربياً، بدءاً بالتعامل معه كرئيس دولة.. ووصولاً إلى استقباله وإقامته في الأماكن المخصصة لرؤساء الدول.. في العواصم التي زارها إثر توقيع الاتفاق. لذا فإن تضخيم أهمية التوقيع الفلسطيني وجعله الخط الفاصل بين السلام والحرب في المنطقة بأسرها، هو جزء من مسلسل الضغط المستمر على سوريا للقبول بالصفقات القائمة.. والاندماج معها.
لم يأتِ ذلك الإدراك السوري من لا شيء.. وإنما هو نابع من حقيقة الدور الذي أصبح مرهوناً بها.. والذي يدفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى التمسك بإبرام اتفاق مع سوريا.. فكلا البلدين يعلمان جيداً مدى التأثير السوري على كل من الورقة اللبنانية.. والأردنية على حد سواء.
لعلنا جميعاً. ما زلنا نتذكر جيداً.. كيف أن التوقعات اتجهت إلى سوريا. لتكون ثاني دولة تعقد الصلح مع إسرائيل بعد أن سلكت مصر طريق الصلح في مؤتمر “كامب ديفيد” إلا أنه.. وبينما راهن البعض على ذلك.. فإن البعض الآخر راهن على أن سوريا ستتحدى ذلك حفظاً لحقوقها وهيبتها وهكذا كان.. فالموقف السوري كان دوماً.. يوصف بالأكثر اتزاناً وبعد نظر بين أنظمة الدول العربية الأخرى. ولعلّ في ذلك ما يُفسّر انحياز سوريا إلى دول الخليج.. ضد نظام بغداد إبان غزو الوطن.. بالرغم من مناداة الرئيس العراقي.. للوقوف في وجه الإمبريالية والصهيونية.. العدو المشترك لكلا الطرفين إلا أن الحسابات السورية رأت في تغيير أولوياتها. بعد نظر.. واتزان.. فبالإضافة إلى حسابها القائل بخسارة “صدام حسين“.. فقد كسبت سوريا دول النفط وأمريكا. وألغيت عنها صفة الدولة الراعية للإرهاب. وبدأت مسيرة جديدة لسوريا كراعية لمشاعر القومية العربية.. ولكن هذه المرة بمباركة وتأييد أمريكي وغربي.
الآن تواجه سوريا في سباق السلام تحدياً بين أن تستمر في الحفاظ على دورها. وبين إبرام إتفاقها المنفرد على غرار الدول العربية الأخرى.. على الرغم أنها ظلت تعرقل كل خطوط الصلح المنفردة ومنذ “كامب ديفيد”. وعلى الرغم من أن سوريا قد أعلنت أنها لا تعارض الاتفاق ولا تؤيده.. وأنها ستترك للفلسطينيين الحق في أن يقرروا بشأنه. إلا أنها بالتأكيد تحاول أن تسعى إلى سلام مشرف وسط هذه التنازلات. ولعلّ ما يشجعها على الاستمرار في ذلك هو إدراك الولايات المتحدة وإسرائيل لصعوبة إهمال سوريا.. إن كان في دورها الأساسي في أي عملية سلام تقوم في المنطقة أو في دورها كراعية للمشاعر القومية.
فعلى الرغم من إعلان سوريا أنها ستترك للمؤسسات الشرعية الفلسطينية أن تقرر بشأن السلام الذي أبرمته المنظمة.. مما يعني أنه ليس في نيتها أن تموّل المعارضين للسلام فإن إسرائيل والولايات المتحدة تحرصان على استيعاب سوريا.. وبسرعة في عملية السلام.. إدراكاً منهما بأنها الوحيدة القادرة على استيعاب أي معارضة تصدر تجاهه سواء الآن أو حتى مستقبلاً.
لقد أثبتت سوريا في مراحل كثيرة سابقة. أنها اللاعب الأكثر مهارة.. وقدرة على المراوغة بين أنظمة الدول العربية.. وعلى الرغم من أن سوريا قد اقتربت من خطوط السلام في عام 77 حين اشترط الرئيس السوري إجراء مباحثات تحت إدارة مؤتمر عالمي.. ودور للأمم المتحدة.. سرعان ما عرقله التعنُت الإسرائيلي آنذاك.. وانفراد الرئيس المصري بإبرام معاهدته الثنائية.. بالرغم من ذلك إلا أن الفرصة الآن للمواقف المتصلبة ذاتها قد شحت كثيراً. والمساندة السوفيتية تلاشت.. ومطالب الأطراف الأخرى المتواضعة في اتفاقات السلام.. كل ذلك أصبح عاملاً في غير صالح سوريا.. التي لن يكون بإمكانها فرض شروط كالسابق خاصة وأن سوريا ترسم لنفسها دوراً أكبر من استعادة الجولان فقط. وهو دور كانت قد لعبته سابقاً.. وبمباركة الولايات المتحدة.. والعرب.. والدول العربية الراعية لاتفاق الطائف.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى