شئون عربية

قمة أمة.. لا أفراد!

قمة أمة.. لا أفراد!

قيل الكثير في قمة الكويت الأخيرة التي ازدحمت بالأجندات والبنود، وقد كان من أبرز ما قيل هو عودة الدور الكويتي الرائد في المبادرة لخلق المصالحات العربية – العربية.
لكن البيان الختامي الصادر عن القمة والرامي إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي والتنمية المستدامة لجميع الدول العربية بدا في تفاصيله متناقضاً وبعيداً عن الواقع العربي المعاصر، فمما جاء في البرنامج بند جذب الاستثمارات، وجعل السوق العربية أكثر جذباً للاستثمارات العربية واستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، وتلك مهمة – في تصوري – ستكون شاقة إن لم تكن مستحيلة في ظل الظروف السياسية العربية الراهنة، فهنالك أولاً عدم ثقة بالأنظمة السياسية واستقرارها من قبل رؤوس الأموال التي أصبحت تلهث وراء الاستثمار الأجنبي، رغبة منها في حماية أصولها وأموالها من الصدمات والأزمات السياسية المستمرة في عالمنا العربي! وإن كان للأزمة المالية العالمية أثرها العكسي على مثل هذا التصور، فلقد أثبتت فصول هذه الأزمة أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد ليس منزهاً ولا خالياً من العيوب والهفوات، وبالتالي فقد يؤدي ذلك إلى إعادة نظر في حركة رؤوس الأموال العربية واستثماراتها! بل لقد أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية أن الدول التي كانت تفرض قيوداً شديدة على الاستثمار الخارجي مثل ماليزيا قد تأثرت بشكل محدود من تداعيات الأزمة العالمية، في مقابل دول أخرى منفتحة تماماً كتايلاند، التي كانت خسائرها مرتبطة بالهبوط الكبير في الاقتصاد العالمي.
لقد أثبتت الأزمة أن النظام العالمي لا يملك الحصانة المطلقة للحفاظ على رؤوس الأموال العربية، كما أنه لا يشكل الفرصة الوحيدة أمام تلك الرؤوس للاستثمار الجيد، لكن في المقابل، تواجه رؤوس الأموال معوقات كثيرة، تجعل حركتها في محيطها العربي شبه مستحيلة!
ومن هنا، فقد بات على العرب أن يضعوا ضمن أولوية تحركهم معالجة المعوقات الحقيقية والتي لم يأتِ ذكرها ضمن برنامج قمة الكويت، أبرزها على الإطلاق سهولة حركة العربي في أراضي أشقائه، سواء كان عاملاً أو مستثمراً، فمن مصلحة دول الخليج، على سبيل المثال الاستعانة بعمالة عربية لتنفيذ مشاريع فيها، لكن المستثمر في تلك المشاريع سيصطدم بإجراءات أمنية واستخباراتية داخلية تؤخر الاستعانة بعمال من هذه الدولة أو تلك لمواقف سياسية معينة!
الواقع العربي كما هو، لن يحقق شيئاً من برنامج قمة الكويت الاقتصادية، فكل ما ورد فيها من بنود سيبقى في حيز الأمنيات، لأن التونسي لا يدخل مصر، والعراقي ممنوع من سوريا، واليمني متحفظ عليه في السعودية، وليبيا متجهة إلى أفريقيا، فكان أن عجت أسواقنا بعمالة آسيوية رخيصة وهامشية في وقت تزخر أسواقنا العربية بالعمالة الماهرة والمتميزة!
أمام العرب اليوم سنتان لمتابعة تنفيذ ما جاء في قمة الكويت الاقتصادية، ففي عام 2011، سيكون اللقاء العربي الاقتصادي في مصر، ونحن كمواطنين لن نطمح إلى تنفيذ كل ما جاء في برنامج قمة الكويت، وإنما أن تخرج القمم العربية، ولو لمرة واحدة فقط، من شخصانية الطرح والأهداف إلى موضوعية الرؤية والمسار! أن تصبح قمة أمة، لا أفراد!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى