شئون عربية

من هو العدو؟

من هو العدو؟

• لا بد أن نخوض تجارب صعبة، ولكنها مستحقة، لأننا حتماً لن ندرك هوية العدو قبل أن نقف مباشرة في مواجهته.
يصرخ الشاب القادم من عمق الأرياف وهو يحمي صديقه قائلاً: “حسين ابن الحاج وهدان مش من أعداء الوطن!”
كان ذلك مشهداً من فيلم قديم تدور أحداثه في معتقل في قلب الصحراء يضم مجموعة من المفكرين والأساتذة والكتاب والمبدعين المعارضين للنظام السياسي! يرأس المعتقل لواء فظ وشرس يستعين بقوة عسكرية يجلبها من الأرياف ويشترط في منتسبيها أن يكونوا من الأميين الذين يجهلون أبسط قواعد القراءة والكتابة!
يُقدم هذا اللواء معتقليه لسجانيهم من العسكر البسطاء على أنهم أعداء الوطن، وبالتالي فإن الرأفة ممنوعة والحزم مطلوب، فهؤلاء المعتقلون خطرون على الوطن وعلى أمن أهله! تمضي الأحداث ويقتل ذلك الشاب القادم من الأرياف أحد المفكرين عندما حاول الهروب، ليحصل على ترقية مستحقة من وجهة نظره البسيطة! لكن الأمور تتغير فيما بعد حين ينضم إلى المعتقل فوج جديد من المعارضين الوطنيين، شاءت الصدف أن يكون من بينهم ابن قريته وصديقه حسين ابن الحاج وهدان، الذي يدرك جيداً مدى وطنيته واستحالة أن يكون من أعداء الوطن، فيثور ذلك الشاب الريفي ويدرك الحقيقة!
تحديد العدو مشكلة أصبحنا جميعاً نعانيها في ظل التحولات السياسية القاسية، وتقلبات الأحداث بالشكل الذي جعلنا نخطئ أحياناً في تحديد هوية العدو!
وتلك مسألة يشاركنا فيها الحكماء الذين كان لكل منهم تعريف وتصنيف للعدو مختلفان. فبينما يقول غاندي: حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه أنت، فإن فيثاغورس يرى أنه إذا اختبرت إنساناً فوجدته لا يصلح صديقاً، فاحذر من أن تجعله لك عدواً!
قد يكون “العدو” مصطلحاً نسبياً يستخدم عادة لوصف أي شخص أو فئة أو دولة تمارس أفكاراً مضادة، وقد يُسرف البعض في تعريف العدو بكونه “الآخر”، لكن التجربة أكدت أن “الآخر” ليس بالضرورة أن يكون دائماً عدواً! تكاثر الأعداء مؤخراً في الساحة العربية، ولم تعد إسرائيل وحدها العدو الأول، فهنالك من أصبح يرى في التكفيريين وأتباع القاعدة عدواً شرساً، وهنالك من يرى في إيران عدواً خطراً، وآخرون يرون أن الحكام الطغاة والمستبدين هم أعداء الأمة الحقيقيون، بينما غيرهم يرى في أمريكا العدو الحقيقي، الإسلام السياسي يرى في الليبراليين عدواً، وهؤلاء يرون فيهم أعداء للوطن، وهكذا!
الشاب القادم من الأرياف احتاج أولاً ان يخوض التجربة التي دفعته لأن يقتل مواطناً بريئاً بحجة أنه من أعداء الوطن، وذلك قبل أن يدرك الحقيقة، ونحن كذلك سواء في الكويت أو في شتى أنحاء العالم العربي، نخوض تجارب صعبة لكنها مستحقة لأننا حتماً لن ندرك هوية العدو قبل أن نقف مباشرة في مواجهته، لندرك أبعاد خطره، هي مهمة شاقة ومكلفة لكنها مستحقة وحتمية!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى