شئون عربية

المؤامرة من كركوك إلى حيفا

المؤامرة من كركوك إلى حيفا

الكثير منا يرفض الاستنجاد “بنظرية المؤامرة” لتفسير بعض الأمور السياسية الشاقة والمستعصية على الفهم والإدراك، ولعلّ من القضايا السياسية التي شغلت الناس في الحقبة الأخيرة تلك المتعلقة بظروف غزو الكويت وبحقيقة الخلاف العراقي – الغربي، والوضع فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط، المخضرمة، ثم ما حدث في صبيحة الحادي عشر من سبتمبر وما تلاه من تفاعلات ونتائج.. فقد نظر البعض إلى كل من تلك القضايا بمنظار المؤامرة الذي رأى في غزو الكويت هدفاً استراتيجياً صهيونياً متأمركاً لتشتيت الجهود والأنظار عن قضية العرب الأولى في فلسطين، أما الخلاف العراقي – الأمريكي فلا يعدو عن كونه مجرد غطاء لعلاقات حميمة بين الطرفين يجري أغلبها تحت طاولات الخلاف المفتعل، هدفها إبقاء النظام الديكتاتوري في العراق حارساً على المنطقة وضامناً لتدفق النفط بلا انقطاع وبأسعار مناسبة!! وبالطبع فقد كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر نصيبها من نظرية المؤامرة، حيث يرى البعض أن هنالك أيادي صهيونية خفية تهدف إلى إثارة العنصرية ضد الإسلام والغرب باعتبارهم متطرفين وإرهابيين!!
وبالرغم من سيادة نظرية المؤامرة في ظل التطورات السياسية المفاجأة والغريبة أخيراً إلا أن هنالك شريحة كبيرة تعارض هذه العقلية وترفض إعادة الأساليب إلى عنصر المؤامرة أو التخطيط المسبق!!
كلا الرأيين يحمل في جعبته تبريراته، وكلاهما يتمتع بمريديه ومؤيديه إلا أن لمؤيدي نظرية المؤامرة خطوة وقبولاً أكبر في الفترة الأخيرة!! ولا أنكر أنني شخصياً كنت كثيراً ما أقف إلى جوارهم حين تستعصي الأمور والتطورات السياسية على الفهم وتتعقد الأمور بصورة تجعل الواحد منا يلجأ إلى تبريرات غير مرئية أو مدونة.
أخيراً، تضاعف لدي ذلك الإحساس بالمؤامرة والخديعة حين حصلت على خريطة رسمية تبين خطوط الباييلاين الموزعة في منطقة الشرق الأوسط، وتوضح كيف أن ما يحدث من صراعات وخلافات على أرض الواقع ما هو سوى غطاء لحقائق سياسية بقيت وتبقى غائبة تماماً عن وعي وإدراك المواطن.
توضح الخريطة التي نشرتها The Petroleum Economist ltd. London 2001 خطوط الباييلاين الحاملة للنفط والغاز وتسميها محددة الجهة من وإلى!! تبدو الخطوط في الخريطة متشابكة ومخترقة لكل المواقف السياسية المعلنة!! ما يثير الدهشة حقاً في هذه الخريطة، أن هنالك خطي باييلاين يصبان في ميناء “حيفا” الواقع في الكيان الإسرائيلي أحدهما يخرج من إحدى الدول الخليجية والآخر ينطلق من كركوك في شمال العراق باتجاه ميناء “حيفا”!!! وهذا أمر يتناقض ولا شك وبشكل كبير مع “حدة” وطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة في ظل التصريحات الصدامية المعلنة والداعية دوماً إلى نسف إسرائيل ومن فيها!!
لطالما صدمت مثل هذه “الأسرار” السياسية والمفاوضات التي تتم تحت طاولات “الصراع” المفتعل، نقول لطالما صدمت المواطن العربي المحكوم بأجهزته الإعلامية التي لا تقل ديكتاتورية عن أصحابها، ولعل ما خرج من تحت طاولات الأنظمة العربية فيما يتعلق بمفاوضات السلام مع إسرائيل يؤكد ذلك، فحتى عام 1991 – عام مؤتمر مدريد – كان الرئيس الراحل أنور السادات هو الرئيس العربي الوحيد الذي يجلس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل. وما إن أصبحت مباحثات السلام واقعاً عربياً معايشاً حتى سمعنا عن كل المحادثات التي جرت بين زعماء عرب من جهة، وبين القيادات الإسرائيلية من جهة أخرى، وقبل أن يجلس السادات في مقابل بيغن والرئيس الأمريكي كارتر في “كامب ديفيد” الشهيرة!!
اللجوء إلى نظرية المؤامرة إذن له مبرراته التي يعود بعضها إلى أن السياسة لا تعمل وفق خطوط الأخلاق وشروطها، أما بعضها الآخر فيعود إلى تجاهل الأنظمة السياسية والإعلامية لوعي وحق المواطن في المعرفة والمعلومة!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى