السياسة.. لعبة النخبة

السياسة.. لعبة النخبة
انتخابات المحليات المصرية، التي أجريت في الأسبوع الماضي. تحمل دلالات ومؤشرات قد لا تخص مصر وحسب، بل تشمل المناخ السياسي العربي بوجه عام.
ففي مسح أجرته جماعة تنمية الديمقراطية، أشارت النتائج إلى أن عشرين بالمائة فقط من الناخبين المصريين سوف يدلون بأصواتهم.
وقد عزت هذه المنظمة، وهي منظمة غير حكومية، عزت تراجع نسبة المشاركين في الانتخابات إلى قانون الطوارئ المطبق في مصر منذ عام 1952، والذي لم يرفع إلا لبضعة أشهر في العام 1981، مؤكدة أن هذا القانون يقف عائقاً نحو المشاركة، ويغذي الخوف من النشاط السياسي بوجه عام.
وعلى الرغم من عدم تسجيل أي حوادث او اعتداءات إلا أن تصريح المتحدث باسم الإخوان المسلمين “مأمون الهضيبي” إلى الصحافة الفرنسية يقول إن هناك مئات من الناس أوقفوا أو هددوا بتلفيق تهم لهم أو الاعتداء على نسائهم أو أخواتهم وذلك لإرغامهم على سحب ترشيحهم.
من الظواهر التي سجلتها الانتخابات المحلية المصرية ظاهرة خوض عدد كبير من رجال الأعمال الانتخابات ضمن الحزب الحاكم، بالإضافة إلى تراجع ملحوظ في مشاركة المرأة، حيث بلغت نسبة المشاركة النسائية %3 فقط.
لا شك أن التجربة الديمقراطية في مصر شأنها شأن التجارب العربية الأخرى، لا تزال في طورها الابتدائي الأولي، فعلى الرغم من سنوات الممارسة الطوال إلا أن العمل السياسي بوجه عام لا يزال عملاً نخبوياً يقتصر على فئات معينة بل وحتى التنظيم الحزبي في مصر، لا يزال محدوداً في أدائه ودوره السياسي والاجتماعي.
لا شك أن الديمقراطية سواء في مصر أو في غيرها تعتبر الوسيلة الأمثل نحو إشراك أكبر قدر من المواطنين في القرار والعمل السياسي وهو أمر لا يتوافر حالياً في أي من الديمقراطيات العربية القائمة، بل وحتى في الدول التي تقر وتسمح بالتنظيم الحزبي لا يزال الحزب فيها معبراً عن رأي أقلية، وتحكمه ظروف لا تخضع إطلاقاً لشروط ومتطلبات العمل الحزبي بشكل عام.
من المآخذ التي أصبحت أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة في المجتمع السياسي المصري ما يتعلق بضمور المساهمة السياسية للطبقة الوسطى في مصر. فعلى الرغم من تعدد التكتلات والأحزاب السياسية إلا أن الطبقة الوسطى في مصر قد بقيت دون حزب، وبدون تمثيل حقيقي وبحيث بقيت ولا تزال الشريحة الأكبر من المجتمع السياسي المصري من مثقفين وليبراليين، ومهنيين وأقباط بلا حزب حقيقي يجمعها تحت شعار وتنظيم واحد. وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي أبداها البعض للعمل والتحدث باسم الوسط إلا أنها جميعاً قد فشلت في تبني قضايا وهموم الطبقة الوسطى. ولعلّ أبرز تلك المحاولات دعوة الرئيس أنور السادات إلى منبر الوسط والذي كان شعاره الآية الكريمة ﵟجَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗاﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵓﵔﵑﵜ F. غير أن ممارسات تلك الأحزاب وبرامجها سرعان ما أكدت أنها لا تنتمي إلى الطبقة الوسطى وهمومها سواء اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً.
ولعلّ أبرز ما ميز المجتمعات البشرية في أعقاب الثورة الصناعية، هو بروز الطبقة الوسطى، والتي تعتبر الرافد الأساسي في بناء مجتمع سياسي واقتصادي واجتماعي صحيح ومتوازن وإذا كانت الطبقة الوسطى لا تزال بسيطة في حجمها ومساحتها في مجتمعات سياسية حديثة كالمجتمعات الخليجية مثلاً، فإنها ولا شك تعتبر الركن الأساسي في التكوين السياسي للمجتمعات شبه الصناعية كالمجتمع المصري محور حديثنا.
لا شك أن تفاصيل التنافس في انتخابات المحليات المصرية تؤكد استمرار إقصاء الطبقة الوسطى من أولويات العمل السياسي الحزبي والانتخابي في مصر. وكما كانت التوقعات الأولية فإن النتائج شبه النهائية لانتخابات المجالس المحلية والبلدية قد أشارت إلى فوز الحزب الوطني الحاكم بأغلبية كبيرة وصلت إلى %95 من إجمالي المقاعد البالغ عددها 47 ألف مقعد، بينما لم تفز أحزاب المعارضة الأربعة التي شاركت في الانتخابات سوى بعشرات من المقاعد.
حالة مصر، ليست حالة خاصة تنفرد بها مصر، بل هي حالة تعكس واقع العمل السياسي والأداء الديمقراطي في المجتعات العربية بوجه عام. حيث يختفي الوسط من الساحة السياسية، ويغيب نفوذ أكبر الشرائح حجماً، وأكثرها أثراً وفاعلية في المجتمع، لذا ستبقى الديمقراطية في عالمنا العربي تنظيراً خاوياً، ما بقي الوسط غائباً. وستبقى السياسة لعبة النخبة ما بقيت الشريحة الأكبر مغيبة!!
