شئون عربية

عرب الدومينو!

عرب الدومينو!

كيف يمكن أن نتخيل عالمنا العربي لو لم يكن الموت سنة الحياة، والنهاية الحتمية لكل البشر؟ وكيف يمكن أن يكون شكل المجتمع السياسي العربي، لو لم يكن هنالك كوارث سياسية وطبيعية تضع نهاية لأوضاع وحالات أكل عليها الدهر في عالمنا العربي، وشرب حتى الثمالة.
باختصار، لو لم تنجح المؤامرة الآثمة التي اغتالت الزعيم اللبناني رفيق الحريري، هل كان بالإمكان الكشف، وبهذه الدرجة من العلانية الإعلامية والسياسية، عن خفايا التغلغل السوري داخل الجسد اللبناني طوال هذه الأعوام؟ ولو لم يندفع صدام حسين بغروره وطموحه الأهوج إلى غزو الكويت؟ هل كان بإمكان الشعب العراقي أن يتخلص من قبضة الدكتاتورية البعثية؟ ولو لم يفجر الإرهاب برجيْ مركز التجارة العالمي، هل كان بالإمكان الكشف عن هويات وأهداف الإرهاب السياسي الذي اخترق كل زاوية، وكل ركن في العالم؟
تساؤلات كثيرة ومشروعة ومنطقية لا يستطيع أي مواطن عربي أن يتجاوزها، وهو يرقب حركة الأحداث من حوله، خصوصاً في الأعوام الأخيرة.
لا ننكر أن الأحداث السياسية هي أشبه ما تكون بلعبة الدومينو، حيث تتلاحق الأحداث بفعل تأثير أحدها على الآخر، وأن لكل حدث أسبابه المباشرة وغير المباشرة، لكن ذلك لا يعني الاعتماد كلية على مثل هذه الميكانيكية في تداعي الأحداث وحركتها، فالإرادة الإنسانية لها دورها في تعجيل أو تفعيل أي تغيير منشود! أو على الأقل تلك كانت القاعدة في أبرز التغيرات السياسية التي دونها التاريخ!
لكن مثل هذه القاعدة غابت وبكل أسف عن وعي المواطن العربي وإدراكه الذي استكان وبصورة هي أقرب للخنوع لما تحمله ميكانيكية الدومينو من مفاجآت يتعامل معها المواطن العربي، ليعكس بذلك درجة السلبية التي سيطرت على الوعي العربي في الخمسين عاماً الماضية، وجعلته فريسة سهلة لأهواء سياسية غريبة وشاذة، تجسدت في دكتاتورية أنظمته السياسية، وعنف أجهزة المخابرات، وخلود رموزه السياسية، وشعاراته العقيمة!
لقد حكم صدام حسين العراق، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، بالحديد والنار والعنف، الذي خلف مجازر بشعة وخسائر محزنة على كل المستويات، ولو لم يدفعه غروره لاجتياح الكويت، لبقي العراق أسيراً لنزعة البعث السادية، وربما لعشرة عقود قادمة، وحكمت سوريا لبنان من خلف الكواليس، وحركت دمى حكوماتها المتعاقبة بخيوط تنتهي في قلب مقر القيادة العامة لحزب البعث في دمشق!
ولو لم تتفجر دماء اللبناني رفيق الحريري فوق أرصفة بيروت، لما خرجت سوريا من لبنان، ولو لم تنفجر الأبراج الأمريكية، لبقي شبابنا عبر العالم العربي أسرى “لملحمة” الأفغان العرب، ولرضعت كل الأجيال القادمة من ثدي نظريات بن لادن وطروحاته الدموية.
نحن قطعاً لا نستطيع أن نضمن حركة الدومينو دائماً، ولا أن نتكهن باتجاه حركتها، وإذا كان القدر قد رأف بنا في بعض أحكامه، فإن المنطق يقول إن علينا أن نعي الدرس الذي كبدنا خسائر جعلتنا في مؤخرة المسيرة البشرية، وأن نتعلم كيف ندفع بأحجار الدومينو بالاتجاه الصحيح، لكي لا يطول انتظارنا في الاتجاه المعاكس والخطأ.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى