القومية العربية هل هي مصدر أزماتنا؟

القومية العربية هل هي مصدر أزماتنا؟
ردة فعل المواطن في هذا الوطن تجاه العروبة.. ومفهوم الكيان الواحد.. ورابطة القومية العربية.. أصابها الشيء الكثير من التراجع.. والتشكيك بعد غزو النظام العراقي (العربي) للوطن.
وقد ضاعف من حدة ذلك التشكيك.. الموقف المشين الذي اتخذته أنظمة عربية كثيرة تجاه المسألة الكويتية.. وهي ردة فعل تتشابه كثيراً مع ردة فعل المواطن المصري تجاه رابطة القومية العربية.. إثر التراكمات التي أفرزتها الحروب العربية – الإسرائيلية.. والتي لعبت فيها مصر دوراً أساسياً.. ورائداً.. دفعت فيه الكثير من الدماء.. والوقت والجهد.. والمال. فقد حارب المصريون المتطوعون للقتال إلى جانب الثوار الفلسطينيين ضد المنظمات العسكرية الصهيونية إثر تمرير قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947 كما حشدت مصر عشرة آلاف جندي في الحرب العربية – الإسرائيلية. الأولى في عام 48.. والتي أشعلت النقمة في قلوب الجماهير نتيجة هزيمة الأنظمة العربية آنذاك وتخاذلها.
أما بعد ثورة يوليو المصرية.. فقد بدأ الغرب بممارسة ضغوطات على مصر لاتباعها سياسة تحررية قومية.. ومساندتها لحركات التحرر العربية.. مثل دعمها لجبهة التحرير الجزائرية.. وزادت حدة تصعيد الضغوطات الغربية.. والتي أدت إلى العمل العسكري ضد مصر في عام 56 إثر إعلان تأميم قناة السويس وعلى الرغم من أن العدوان الثلاثي في عام 56 لم يات بنتائج عسكرية لصالح مصر.. إلا أن النتائج السياسية أدت إلى تأكيد الدور المصري في تصعيد حركة القومية العربية. والذي أدى إلى إشعال الحرب العربية – الإسرائيلية الثالثة في العام 67.. فقد تزايد دور مصر. والتي انتهجت سياسة ثورية هجومية تمثلت في مساندة الحركات العربية عسكرياً.. كدورها في الثورة اليمنية.. مما جعل الغرب يخطط لاستدراج مصر إلى حرب تؤدي إلى تدمير جيشها والقضاء على معنويات الشعب المصري. وقد كانت الخسائر المصرية في حرب حزيران باهظة.. إن كان على المستوى العسكري بما فقدت من طائرات وسلاح.. وأرواح.. أو على المستوى المعنوي الذي ألم بالمواطن المصري.. ثم توالت من بعد ذلك الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة.. في عام 73.. والتي خرقت الجمود المسيطر على المنطقة بعض الشيء والتي كانت قد مهدت لها حروب الاستنزاف التي شنتها مصر في عام 69 وعام 70.. على الرغم من أن مصر كانت لا تزال في طور بناء قوتها العسكرية المدمرة آنذاك.
تلك كانت ملامح موجزة للدور الذي لعبته مصر للتأكيد على مبادئها القومية.. ومسؤولياتها تجاه الأمة العربية.. وهي مراحل من النضال المتواصل دفع خلالها الشعب المصري والمواطن المصري الكثير من الجهد والوقت والأرواح.. مما جعله يلقي باللائمة في ذلك على العرب والقومية العربية.. جراء ما لحق به من مآزق سياسية واقتصادية واجتماعية.. خاصة بعد العزلة التي فرضت على مصر إثر المقاطعة العربية التي جوبه بها مشروع السلام المصري – الإسرائيلي.
إن شعوراً مشابهاً لذلك الشعور الذي اعترى الفرد المصري تجاه القومية العربية.. قد أصاب الفرد الكويتي إبان فترة الاحتلال البغيض.. ذلك الشعور الذي يفسره أسلوبنا كأمة عربية في الوقوف دوماً على هامش الخلل.. دون التوغل في الخلل ذاته ومعالجته أساساً.. فالثمن الذي دفعته مصر من خلال الحروب التي قادتها دفاعاً عن الأمة العربية وقضاياها.. وكذلك الثمن الذي دفعته الكويت في إمداد وتمويل القضايا العربية.. بما فيها الحرب العراقية – الإيرانية لا يجب أن يدفع أياً من البلدين إلى إدانة القومية والعروبة فيما آلت إليه الأوضاع في كلتا الدولتين من جراء مواقفهما.
فالقومية العربية.. وإن اتسم التعبير عنها بشيء من الرومانسية في الخمسينيات والستينيات من هذا القرن.. ورفعت من الشعارات أكثر مما يمكن تحقيقه على أرض الواقع.. إلا أنها ستبقى المحاولة الحقيقية لخلق أوضاع منسجمة ومتكاملة بين الأقطار والشعوب العربية.. ومسألة الانسجام هذه تعني بالدرجة الأساسية اقتسام الأدوار فيما بين الدول العربية.. فمصر لها دورها الثقافي الرائد.. ولها قدرتها العسكرية التي خولتها للقيام بدور ريادي في الحروب العربية.. وهو دور فرضته ظروفها من حيث الحجم السكاني الذي يقارب ثلث أو ربع تعداد سكان العالم العربي.. أو من حيث الحجم التاريخي الممتد طويلاً في العمق.
ومثلما جاءت حصة مصر في عملية التكامل من خلال دورها الدفاعي.. والسياسي ومناصرة ودعم حركات النضال والتحرر العربية.. فإن حصة الكويت كانت في المشاركة وعلى نحو قومي أيضاً في الأعباء المالية لمساندة حركات النضال والتحرر.
ولعلّ في فترة الانقطاع التي جابهتها المشاريع القومية.. إثر التراجع في دور مصر مع مجيء السادات.. ومحاولته الالتحاق بالركب الأمريكي.. وعقد الصلح المنفرد مع إسرائيل.. وما صاحبها أيضاً من تراجع وتخلٍّ من قبل دول الخليج بما فيها الكويت.. عن دورها في تحمل الأعباء الاقتصادية سواء في المجال العسكري أو في مجالات التنمية العربية.. لعلّ في فترة الانقطاع تلك ما يؤكد أهمية الإبقاء على شكل تلك الموازنة في توزيع الأدوار العربية.. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال أهمية الدور المصري في تشكيل القرار العربي خلال أزمة الوطن.. وهو القرار الذي لا يمكن أن ننكر أهميته في تدعيم جهود الشرعية الدولية.
القومية العربية.. ليست قضية جدلية تقبل الرفض أو القبول.. ولا هي بالمشجب الذي نعلق عليه أسباب فشلنا وعجزنا.. فهي واقع تحتمه دلائل كثيرة تاريخية.. وحاضرة.. ومستقبلية. وهي إن كانت قد عجزت عن الصمود في مرحلة زمنية معينة.. ولأسباب كثيرة ومتشعبة. فإن ذلك لا يعني أنها صيغة غير قابلة للتحقيق ومرفوضة.. ولعلّ أبرز أسباب عجزها عن الصمود كامن في عجز الدول العربية عن فهم أهمية وضرورة الأدوار المنوطة بكل منها.. فالدور الذي لعبته وتلعبه مصر قد فرضه واقعها.. تماماً مثلما فرض على الكويت كدولة صغيرة بحاجة إلى حماية ومساندة الغير.. أن تكون الدولة الممولة لمشاريع التنمية والنضال.
“
