شئون عربية

إصلاح الواقع العربي قبل المصالحة

“إصلاح الواقع العربي… قبل المصالحة”

أصبح الحديث عن المصالحة العربية هو العنوان البارز في كل الأحاديث واللقاءات العربية!! وتلك مسألة طبيعية خاصة في هذه المرحلة الحرجة والتي تهشمت فيها العلاقات العربية – العربية.. إلى درجة أطاحت بكل مقومات الترابط.. والكيان الواحد.. وبحيث لم يعد منها شيء قائم اللهم إلا إذا كانت اللغة الواحدة!! والدين الواحد!!
قد يكون الحديث عن المصالحة الآن.. حديثاً آن أوانه.. خاصة بعد أن اتضح للجميع حجم الخسائر التي تكبدها الكل من جراء ذلك التطاحن والصراع داخل الكيان الواحد!! فلقد تسللت من ثقوب الخلافات العربية – العربية.. مبادرات الاستسلام للكيان الصهيوني.. ومن الثقوب ذاتها تراجعت برامج التنمية العربية.. وانهار الاقتصاد العربي وأشرفت بعض الدول العربية على محاذاة خط الفقر.. مع تراجع احتمالات خلق أدنى قدر من التنسيق والتعاون العربي في مجالات الاقتصاد والزراعة والتجارة!!
المصالحة إذن.. واقع تحتمه الظروف القائمة.. لا خيار يحتمل الموافقة أو الرفض!! هو مطلب منطقي تفرضه ظروف الجغرافيا والتاريخ والسياسة وتوجبه روابط اللغة والجنس والعرق!! يبقى إذن الخلاف الوحيد مع هذه المصالحة.. أنها تأتي معززة بالتراكمات ذاتها التي أشعلتها.. وبالشخوص نفسها التي أعلنتها!! معوقات المصالحة أنها تتودد.. وتتقرب بالرداء ذاته الملطخ بدماء أبرياء سقطوا ضحايا تزييف الحقائق والتاريخ!! القطيعة العربية الراهنة.. والخلافات العربية المتأججة منذ بزوغ التسعينيات.. لم تأت نتيجة لغزو النظام العراقي للوطن!! بل على العكس من ذلك تماماً!! فالغزو العراقي كان نتيجة لذلك التطاحن.. والخلاف العربي الصامت آنذاك!!
ليست هي المرة الأولى التي ينهار فيها البيت العربي!! وليست المصالحة الأولى.. ولن تكون كذلك!! فالخلافات كانت هي دائماً أساس العلاقات العربية – العربية.. خلافات حول الحدود.. والثروات، خلافات سياسية.. قضايا هيمنة ونفوذ فيما بين الدول المتجاورة جغرافياً!! وهي في أغلبيتها خلافات في مصالح القوى السياسية المهيمنة!! فالتفكك العربي كان دوماً على مستوى الأنظمة السياسية والحكومات العربية.. والتي بدورها توارثت أسباب تلك النزاعات.. بالإضافة إلى كونها مشرفة على المبادرات التي كانت دائماً تحسم النزاع مرحلياً.. ليثور من جديد!!
قضية الصلح في مغزاها اللغوي تعني إصلاحاً لا يكون إلا بهدم القديم.. في مقابل بناء جديد!! الإصلاح سيكون المرجع الأساسي لأية محاولات جادة في سبيل حسم الخلافات العربية.. والبدء في إعلان مشروع عربي جديد يكون أساس العلاقات العربية – العربية!!
المصالحة العربية.. تحتاج أولاً إلى تطوير وعي وإدراك المواطن العربي لقضية الخلط الواضح بين السبب والنتيجة فيما ألم بالأمة العربية منذ فجر هذا القرن!! فكما أن غزو النظام العراقي ليس سبب القطيعة والخلاف العربي القائم.. كذلك فإن مشاريع قومية مثل الوحدة العربية لم تكن أبداً أساساً للاستقرار والتعاون والرفاه العربي!! وكما قضى العرب ردحاً من الزمن.. يبررون خلافاتهم بل تناقضاتهم التاريخية.. من خلال اختلافاتهم في مواقفهم تجاه الفكر القومي آنذاك.. فإن الأنظمة العربية ذاتها.. تسرق الآن مرثاة الغزو العراقي للوطن.. لتخبئ تحتها تناقضات ضاربة بأصولها في أعماق التكوين السياسي لتلك الأنظمة!!
المصالحة العربية ستُفرض الآن.. غير أنها ستنفرط تماماً كما انفرطت مصالحات سابقة.. فقط لأنها لا تجرؤ على المساس بأصل التناقضات.. وأساس الخلافات العربية – العربية!! التناقض العربي سيبقى كامناً.. مخبأ تحت كم هائل من عبارات التودد.. وقوافي الشعر والنثر.. والأخلاق الدبلوماسية اللبقة!! والنزاع العربي سيبقى أمراً وارداً.. وخطراً قائماً.. لا لأن العرب مثيرو شغب.. ودعاة عنف.. وإنما لأن جذوة الخلاف بقيت كامنة!!
التناقضات العربية ستبقى إذن شوكة في أي مشروع دائم للمصالحة.. هي ستبقى ما دامت تخدم مصالح وقوى سياسية مهيمنة ستعمل دائماً على السير في الاتجاه المعاكس لأي مشروع جاد للنهوض ولتحقيق الرفاه من خلال إحلال مصالحة عربية تضمن استقراراً دائماً!! ولعل ذلك يفسر السبب في فشل كل المشاريع العربية التي تعزز الاستقرار والتعاون العربي الدائم.. فمشروع الجامعة العربية فشل لاصطدامه بتناقضات النخب السياسية المهيمنة عربياً!! بل وحتى المشاريع الإقليمية المحدودة.. كمجلس التعاون الخليجي.. ومجلس التعاون العربي.. كذلك المغاربي.. لم تستطع أن تحقق أية مكاسب وذلك لبروز الخلافات الأساسية كحجر عثرة في سبيل أي تعاون!!
سيبقى إذن المشروع الديمقراطي وحده القادر على أن يكون صمام أمان في سبيل بقاء أية مصالحة!! بما يوفره من تقليص لهيمنة النخب الحاكمة.. والطبقات المهيمنة سياسياً واقتصادياً في عالمنا السياسي العربي!!
الديمقراطية كواقع ممارس.. لا كشعار مرفوع.. هي الطريق الأمثل.. بما تحمله من تدوير للسلطة ومن ثم بالمسؤولية.. وما توفره من فرص متساوية في المنافسة السياسية والاقتصادية تقطع الطريق بذلك على أبدية الهيمنة على مقدرات ومستقبل المواطن.. وتتساوى فيها الحصص ويصبح معها الصالح العام للوطن.. وللأمة.. أساساً لشرعية أية مكتسبات فردية!!
لكي تصمد المصالحة العربية هذه المرة.. عليها أن تطرح جديداً يدفع إلى إحساس بالثقة لدى المواطن بصدق النوايا!! وذلك بحد ذاته يعتبر ثمناً باهظاً.. لن يجود به أي نظام عربي!! فأي جديد يطرح.. سيتطلب أولاً دخولاً في ساحة التناقضات العربية!! مما يعني أن أية جدية في طرح المصالحة ستعني أيضاً جدية في الدفع ببعض التنازلات للصالح العربي العام بأن تتوافر معها مكتسبات يلمسها المواطن العربي والذي لن يعي أهمية المصالحة العربية.. ما لم يع أولاً مكتسباتها!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى