شئون عربية

أين الجامعة العربية؟!

أين الجامعة العربية؟!

الاجتماع التشاوري العربي الذي عقد مؤخراً في مقر جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية ثماني عشرة دولة عربية، يؤكد، شأنه شأن كل الاجتماعات العربية الأخرى، حاجة العرب الماسة إلى إعادة نظر جادة في مؤسسات وآليات العمل والتعاون العربي بشكل عام!! فعلى الرغم من مضي أكثر من خمسين عاماً على إعلان جامعة الدول العربية، إلا أنها وللأسف الشديد لا تزال قاصرة عن التعاطي مع المشكلات العربية – العربية، أو التعامل مع المستجدات الدولية والتطورات السياسية، بصورة تضمن الحق العربي، وفي إطار دور عربي واحد يحظى بإجماع واتفاق دول منظومة الجامعة!!
ويتأكد ذلك القصور في دور الجامعة العربية عند كل أزمة عربية – عربية. لذا فإن غزو النظام العراقي للوطن في أغسطس 1990، لم يؤد فقط إلى تمزيق الأمة العربية وتفتيتها، وإنما كذلك إلى تسليط الضوء على فاعلية وجدوى آليات العمل العربي المشترك، وبخاصة جامعة الدول العربية، التي أثبتت أحداث الغزو وتداعياته درجة العجز والقصور التي تعاني منها الجامعة في التعامل مع الأزمات العربية، وما يتبع ذلك بالتأكيد من عجز عن وضع تصور مستقبلي عربي!!
تفعيل الجامعة العربية الآن أصبح ضرورة ونحن نعيش في عصر التكتلات والاتحادات سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، خصوصاً بعد أن رأينا كيف استطاع المجتمع الدولي احتواء كارثة الدول العربية في يوم العاشر من أغسطس 1990 معضلة الخروج ولو باتفاق متواضع حول رفض العدوان، فلم يصدر إلا بعد معارك كلامية ومشادات (رئاسية) عربية كادت تصل إلى حد التشابك بالأيدي. وتاريخياً عبرت الجامعة العربية بمراحل تطور طبيعي جداً، ومتزن، حيث زاد عدد الدول الاعضاء من 17 دولة في العام 1945، إلى 22 دولة حالياً، غير أن ذاك التوسع في الحجم لم يواكبه توسع في الأداء، ولم تساهم كل تلك العقود الخمسة من الزمن في إضفاء دور فاعل وحيوي على الجامعة، بصورة تمكنها من التعامل مع الأزمات العربية، سواء في العراق، أو في الجزائر، أو في ليبيا، أو تجاه أية معضلة أو أزمة عربية!! وإذا كانت الجامعة قد واجهت أول التحديات في عام 1948، وحملت يومها مسؤولية الهزيمة العربية آنذاك، فإنها قد واجهت تحدياً أقسى في عام 1990، وتواجه اليوم التحدي الأخير بين أن تبقى أو أن تتلاشى!!
الجامعة، وكمؤسسة لا تفتقد إلى قوانين تنظم وتنسق العمل والتعامل فيما بين دولها الأعضاء، وإنما هي بحاجة لسياسة تجبر أعضاءها على الالتزام بما تقره من قرارات وما تضعه من قوانين!! فاختراق قوانين الجامعة لا شك يؤكد على ضعف أدائها، وهامشية دورها في القضايا العربية!!
لقد أصبح المجتمع العربي اليوم، وفي ظل الفوضى التي أفرزها غزو النظام العراقي للوطن بحاجة ماسة إلى مؤسسة تحتويه، ينظم من خلالها أوراقه، وينسق عن طريقها علاقاته ويعيد بناء أولوياته الإقليمية والدولية!!
ولا نقول إن تلك مهمة سهلة، خصوصاً مع ما يعانيه المجتمع السياسي العربي من تدهور في بنائه السياسي، ومن تردٍ في أنظمة الحكم القائمة!! غير أنها مهمة ضرورية ومصيرية من أجل بناء علاقات عربية سوية وناضجة!! يكون فيها للجامعة العربية دور حيوي ورئيس!! لقد رأينا كيف استطاع النظام العالمي الجديد من خلال هيئة دولية كالأمم المتحدة أن يفرض شروطاً حضارية للانتماء إلى المجتمع والحظيرة الدولية وشهدنا كيف أصبحت شروط الديمقراطية، والشورى، والحرية، وحقوق الإنسان جوازات سفر معتمدة من الأمم المتحدة لأية دولة ترغب في أن يكون لها كيان محترم، وهيئة حضارية وسط أقرانها من دول العالم!! وقد كان لتلك السياسة الدولية صدى وأثر واضحين دفع بدول كثيرة لأن تبدأ مشوارها الحضاري نحو كيان سياسي ديمقراطي، وبناء بشري قائم على احترام الحقوق والإقرار بالحريات!!
والمطلوب من الجامعة العربية اليوم أن تنسلخ من ردائها الرث القديم، وأن تخرج من اعتكافها، وأن تتمدد خارج الأنظمة السياسية لتلامس الجماهير العربية، فهم أول المعنيين بأي تعاون عربي – عربي.. المطلوب من الجامعة أن تعيد صياغة مفاهيم كثيرة كالعمل العربي المشترك، والدفاع المشترك، والاقتصاد المشترك والمصير الواحد، والقومية الواحدة!! باختصار أمام الجامعة اليوم مهمة إعادة تأهيل المجتمع العربي، من خلال ثقافة تعاونية عربية – عربية، تمتد إلى الجميع.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى