شئون عربية

عودة الماضي العربي

عودة الماضي العربي

في زمن فقدت فيه القضية العربية الأولى ملامحها نرتكب من جديد خطيئة تاريخية ونحن نشهد ترميم الجدار العربي وهي عدم التنسيق والتعاون ليكون البناء على أساس متين يضمن له البقاء والاستمرار
*
استضاف برنامج “على الهواء مباشرة” والذي تبثه القناة الأولى في تلفزيون الكويت، رئيس تحرير جريدة “القدس”، عبدالباري عطوان، ضمن حوار تناول العلاقات العربية وسبل إعادة توحيد الصف العربي، خاصة بعد تصدع الثاني من أغسطس 1990، وقد كان ضمن المحاورين في البرنامج الأديب السعودي الدكتور تركي الحمد، والذي أشار في حديثه إلى أن أول معوقات التعاون العربي يكمن في طبيعة القرار العربي، والذي لا يتعدى ردود أفعال خالية من أي بعد مستقبلي أو حنكة استراتيجية.
كما أثار الدكتور تركي الحمد في حديثه إلى أن معضلة القرار والفعل العربي الأساسية هي في تناسي الماضي وتجاهله بطريقة تجعله معزولاً عن الحاضر، وعدم التعلم من دروس الماضي، بصورة تجعل الماضي العربي دائماً ما يعود بالأخطاء والسلبيات نفسها ومن هنا كان التعامل العربي مع الماضي بمنطق “عفا الله عما سلف”، والتي قد تكون رائعة أخلاقياً، لكنها، سياسياً، لا تطعم خبزاً ولا تبني أساساً صلباً متماسكاً.
الآن، ونحن نشهد محاولات رأب الصدع العربي، نرتكب من جديد خطيئة تاريخية، ونعيد قراءة التاريخ بالأغلاط اللغوية الإنشائية نفسها ونرمم الجدار العربي بدون أساسات تضمن للبناء الاستمرار والبقاء.
لا أحد ينكر أهمية التنسيق العربي وضروراته المصيرية، بل نستطيع القول وبكل ثقة، إن كل مشاريع التنمية العربية وخطط البناء قد تعثرت وانهارات لأسباب ذات علاقة مباشرة بانعدام التنسيق والتعاون العربي. غير أن ذلك الواقع، لا يعني أن نندفع وبعشوائية وفوضى لتشييد البيت العربي من جديد.
لقد استطاع العرب، ومنذ فجر الخمسينيات أن يفرضوا نوعاً من التنسيق والتعامل، على الرغم من كل الاختلافات والخلافات القائمة، ولقد كان رافدهم الأساسي في ذلك، التقاء كل الأطراف العربية عند قضية مشتركة واحدة، وحدت الجهود والأهداف ولو بصورة بسيطة.
الآن فقدت القضية العربية الأولى ملامحها الرئيسية، وعادت معها أسئلة الخمسينيات للبروز بشكل صارخ وتعطل الحوار، مما دفع إلى علاقات عربية عنيفة، مثل كارثة الغزو.
فإذا كانت القضية العربية الأولى قد شكلت محطة لقاء تقف عندها كل الأطراف، فإننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعلان صيغ تعاون جديدة، ترتكز على أساس قوية وصلبة، ولعلّ ذلك هو الأمر الهام الذي تجاهله وتناساه رئيس تحرير “القدس” عبدالباري عطوان في لقائه التلفزيوني، حين ضرب مثلاً حول حتمية التعاون والتنسيق العربي. مستشهداً بعناق الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر للملك فيصل بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية، وذلك في أعقاب نكسة العرب الكبرى في عام 1967، على الرغم من كل مظاهر الاختلاف التي كانت سائدة آنذاك بين الطرفين.
غير أن ذلك العناق بين الزعيمين العربيين قد كان نابعاً من وحدة القضية والهدف والمصير، في تلك المرحلة من مراحل التاريخ العربي.
إن عودة العراق إلى الصف العربي، أو عودة العلاقة مع الأردن وغيره، ليست هي محورالخلاف، وكما حاول عبدالباري عطوان أن يثير ويؤكد. غير أن الخلاف الحقيقي هنا هو خلاف حول جدية شعارات التعاون والتنسيق العربي، ودلالاتها، وعن درجة الثقة بين الأنظمة العربية، والتي دفع انعدامها إلى أزمات عربية حادة. كانت إحداها غزو النظام العراقي للوطن، والذي يأتي كنتيجة لغياب التنسيق والثقة العربية.. وليس كسبب لذلك الغياب كما يحاول عبدالباري عطوان وغيره أن يروجوا!
ولكي لا يعود الماضي العربي، بأخطائه وخطاياه، فإن المطلوب من المجتمع السياسي العربي بوجه عام، البدء بمشروع تضامني وتنسيقي يحمل إجابات مقنعة لأسئلة الخمسينيات العالقة، لعله يردم الهوة العميقة بين الشعار العربي، وبين ما وراء الشعار!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى