عفواً يا أخ حسن!

عفواً يا أخ حسن!
لقد ترجم الأخ حسن العيسى، في مقاله المنشور بجريدة القبس 5/11/94.. في زاويته اليومية “أكثر من كلمة”، حالة اليأس التي أصبحت تكتنف الكثير في عالمنا العربي بوجه عام.. وذلك في أعقاب حالة الانحطاط والتدهور التي أصبح عليها البناء العربي بأفراده وحكوماته!!
قد لا نختلف مع الأخ حسن العيسى فيما أثاره بل وقد نتفق جميعاً على أننا، وكما ذكر العيسى، “لا يوجد لدينا الدول العربية الصناعية التي ستختنق صناعاتها الوليدة أمام الصناعة الإسرائيلية، وليست الاستثمارات العربية – التي أغلبها من دول الخليج – هي التي يمكن أن تحقق ذلك”.
وقد نرى ما يراه الأخ العيسى فيما آثاره من حقائق حول الواقع العربي الرديء الذي نعاصره الآن!! وإن كنا نختلف معه في أسلوب التعامل مع ما نحن عليه من تردٍ وتدهور!! أو في انتهاج الاستسلام أو كما عبر عن ذلك بقوله: “ما الفارق في أن تكون التبعية الاقتصادية الآن لإسرائيل بدلاً من الغرب!!” وذلك في تساؤله عن أسباب التخوف من الخطر الاقتصادي الذي يطنطنون به على حد تعبيره!!
قد لا يكون العالم العربي في أحسن فتراته.. لكن الاستسلام والخضوع لم يشكلا يوماً ما مخرجاً من الأزمات والمحن!! بل على العكس من ذلك تماماً فمن قلب الظروف القاسية والصعاب.. تولد وتتفجر إرادات التحدي.. وفقاً لطبيعة ومنطق الأضداد!! فالظروف القاسية وحدها هي التي تستثير عنصر التحدي لدى البشر!! والحضارات على اختلافها عبر التاريخ البشري لم تنهض.. ولم تظهر في ظروف رخاء ويسر وحسب.. بل لقد سادت حضارات وقامت دول في مناخ وأجواء صعبة وظروف شحيحة!! حيث كان لتلك الصعاب أثر هام في استثارة الهمم.. والعزائم!!
قد لا يرى الأخ العيسى أن الوضع العربي السيئ قد شكل عامل استثارة لهمة المواطن العربي!! فردود الفعل تجاه حالة التدهور لا تزال صامتة مبهمة على مستوى الشارع العربي عموماً!! إلا أن حالة الجمود والتدهور العربي.. خاصة على المستوى الشعبي هي أساساً نتيجة للتدهور والتراجع اللذين أصبح عليهما حال مثقفيها وروادها وكتابها ومبدعيها!! فلهجة الاستسلام والتراجع التي أصبحت تميز المثقف العربي عموماً، هي لا شك من أشرس معاول الهدم في بنائنا العربي!! واستسلام هؤلاء يضعضع البناء الداخلي الذي يعتبر سبباً مباشراً في انهيارات كثيرة شهدها التاريخ البشري حولنا!!
حسن العيسى – كما غيره – تقع عليه وعليهم مسؤولية الإعداد للتحدي القادم، لا الاستسلام والخنوع بحجة الضعف وعدم الاستطاعة!! ولا التقليل من شأن مصيرية المرحلة المقبلة وحقيقة التحدي الذي تفرضه!!
التطبيع المقبل، والذي لا يرى فيه الأخ حسن “كارثة.. ولا مصائب.. ولا يحزنون” على حد تعبيره!! يتوج إسرائيل عاصمة تجارية للشرق الأوسط وجسراً يتحكم بالتجارة والاقتصاد والسياحة!! التطبيع المقبل يهدف إلى تغيير جغرافي وسياسي وحضاري للمنطقة العربية، تتصدر فيه إسرائيل منصة الزعامة وهي مدججة بالسلاح النووي الحديث.. وسط عالم عربي منزوع السلاح والإرادة!!
التطبيع المقبل هو تحقيق لطموحات شمعون بيريز بأن تصل السيطرة الإسرائيلية إلى تركيا وأوروبا.. والمغرب العربي.. والخليج!!
لا شك أن العالم العربي الآن في مواجهة أزمة مصيرية سببها التفوق الإسرائيل في الجولة الأولى من الصراع!! والشعوب عادة لا يكون أمامها في مواجهة الأزمات سوى واحد من اثنين: إما التراجع والاستسلام، وبالتالي التحلل والانهيار!! وإما المواجهة والتصميم في محاولة لإنهاء الأزمة!! ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن سلبية الحالة الأولى!! خاصة وأن الثانية هي الأكثر شيوعاً وقبولاً في التاريخ البشري، لكونها تتفق ومنطق البقاء.. والرغبة في الاستمرار إلا أن الصعوبات التي تطرأ هنا، تشكل عائقاً أمام مواجهة، صحيحة!! ولعلّ أهم مقومات المواجهة يكمن في الوعي لخطورة المرحلة!! والإدراك الجيد لأهمية تنمية ذلك الوعي باستعراض المخاطر المستقبلية المحتملة بموضوعية ونضج يتخطيان حاجز الزمن المرئي!! وتلك مهمة يحملها الأخ حسن العيسى كما غيره من الطاقات الرائدة في مجتمعنا العربي!! ويتحمل مع غيره مسؤولية التنوير لا التضليل تجاه محاولات صهر إسرائيل في قالب المنطقة العربي.. اقتصادياً وحضارياً!!
وأخيراً أقول عفواً أخ حسن، فخوفنا من “البلل الإسرائيلي” له مبرراته المنطقية!! ودورنا لا شك في الاستيقاظ على أهمية دورك في صراع المرحلة المقبلة والذي لن يبرر سلبيته يأسك من مقدرة النظام العربي.. ولا تحججك “بالمزايدات القومية”!! فلقد كانت في إشعار الأعمى العاجز هوميروس من مقومات المواجهة.. ما لا يقل عن الأسلحة والدروع آنذاك!!
