لماذا فشلت أمريكا في حروبها؟

لماذا فشلت أمريكا في حروبها؟
ليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة قد سجّلت فشلاً آخر في حربها ب أفغانستان.. وهو فشل لا يختلف عن فشلها في حرب فيتنام، والتي بَقيَت تبعاتها تُحاصر الجيش الأمريكي وسيكولوجية المواطن الأمريكي بشكل عام، و لعلها الحرب التي قدّمت الشعب الأمريكي وجيشه للعالم كقوة ظالمة ومُعتَدية وبحيث ساد العالم من أقصاه إلى أقصاه مصطلح الأمريكي القبيح.
السؤال حول الأسباب التي جعلت أمريكا تخسر حروبها أجاب عنه البروفيسور “ماود كيسار” الباحث الاستراتيجي في المعهد العسكري بالولايات المتحدة، والذي تناول أسباب هزيمة أمريكا في مختلف الحروب التي خاضتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويستَشهد بصفة خاصة بالحربين الفاشلتين في العراق وأفغانستان، حيث يرى أن تحقيق الانتصارات الحربية هنا لا يتوقّف على القوة العسكرية فقط، وأن الدخول في عصر المعلومات أصبح ضرورة في إدارة الحروب.. وأن وضع الاستراتيجيات الحربية يجب ألا يكون حكراً على وزارة الدفاع.. وإنما يشمل دبلوماسية وزارة الخارجية وأجهزة المخابرات.. كما يرى أن جهل الأمريكيين بتراث أعدائهم وتاريخهم ومخزونهم الثقافي والحضاري قد شكّل أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى فشل الولايات المتحدة في الانتصار في حروبها التي خاضتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لم يسجّل التاريخ الحديث منه والقديم انتصاراً حقيقياً لأي من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة.. من الحرب الكورية (1950 – 1953) التي كبّدت أمريكا خسائر مادية جسيمة وخسائر في الأرواح.. وأسهمت في إثارة روح العداء بين كوريا الشمالية والجنوبية والتي لا تزال سائدة، مروراً بهزيمة خليج الخنازير الذي أجبر فيه الرئيس الكوبي “كاسترو” الجنود الأمريكيين على الانسحاب بشكل مُهين.. إلى حرب فيتنام التي شكّلت نقطة حالكة السواد في تاريخ أمريكا العسكري والإنساني.. وقدّمتها إلى المجتمع الدولى كدولة شرّيرة بسبب الممارسات المفرطة في العنف والأسلحة المستخدمة والمخالِفَة للقانون الدولي.. ثم لتُتَوّج تلك الخسائر بغزو العراق عام 2003 مع ما أدى إليه ذلك من دمار وخراب وخسائر في الموارد والأرواح.
فشلتْ إذاً الولايات المتحدة في تلك الحروب. وامتد فشلها إلى سوريا واليمن وليبيا، وهو أمر يُقرّه كثير من المفكّرين الاستراتيجيين اليوم بمن فيهم الأمريكيون.
قد تكون حرب تحرير الكويت هي الحرب الوحيدة التي يمكن اعتبارها حرباً ناجحة.. بمعنى أن الولايات المتحدة قد حدّدت هدفاً آنذاك، وهو إخراج صدام حسين من الكويت، وبالفعل فقد تم تحقيق الهدف الذي أنهى الحرب فوراً.. لذلك فقد ابتَهَج الجنود الأمريكيون حين تم استقبالهم بالورود وبشعارات السلام والترحيب وهم يدخلون الأراضي الكويتية.. بينما حدَثَ العكس وهم يدخلون العراق في عام 2003.. واعتبار دخولهم آنذاك تحريراً للعراق.. وهو بالطبع ما لم يحدث.. بل تم استخدام ذريعة أسلحة الدمار الشامل لدخول الولايات المتحدة في حرب غير متكافئة إطلاقاً، كبّدت العراق ما يُقارب المليون قتيل.. وملايين المشردين.. ودمار شامل لبنية العراق السياسية والمعمارية وإغراقه في حرب وعنف طائفي وفساد سياسي لا يزال يعاني منه.
في مايو 1965 تحدّث الرئيس الأمريكي آنذاك (لندون جونسون) عن الحرب الأمريكية في فيتنام، حيث قال “يجب أن نكون مستعدين للقتال في فيتنام.. ولكن النصر النهائي سَيَعتمد على كَسب قلوب وعقول الناس الذين يعيشون بالفعل هناك.. من خلال المساعدة على جَلْب الأمل لهم والكهرباء ولخدمة قضية الحرية في جميع أنحاء العالم” انتهى.
واضح من الحروب الأمريكية كلها أنها قد خَسرت القلوب والعقول معاً؛ فلا الديمقراطية استقرت في العراق.. ولا الأمل حَلّ فيأفغانستان.. ولا الكهرباء أضاءت سوريا ولا الحرية سادت منطقة الشرق الأوسط! والسؤال هنا: هل هنالك ما هو أبعد من مجرد الحرب العسكرية في جعبة العقلية الأمريكية؟ بمعنى آخر هل كل هذا الفشل وهذه الفوضى التي سبّبتها أمريكا في كل بقعة دخلتها مُتعَمّد ويرمي إلى أبعد من مجرد حروب عسكرية؟ يبقى الجواب لدى المحللين العسكريين.
