شئون دولية

إنهاء العزلة عن إيران.. هل جاء مبكراً!

إنهاء العزلة عن إيران.. هل جاء مبكراً!

على الرغم من الموقف المحايد الذي اتخذته إيران إبان حرب تحرير الوطن ذلك الموقف الذي فسره الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني بكونه الموقف الأسلم لإيران في ظل ظروف الغليان في منطقة الخليج فقد فسر الرئيس الإيراني في يناير 1991 موقف بلاده بقوله إننا لن نسفك دماءنا لكي تحقق الولايات المتحدة النصر.. كما أننا لن نسفك دماءنا لكي يبقى العراقيون في الكويت ففي هذه الحالة سيصبح الخليج الفارسي غداً.. الخليج العربي… أليس ذلك هو الانتحار بعينه؟!
إيران خرجت كأحد أكثر الرابحين من (ملحمة صدام حسين)، سواء من خلال انتهاء العزلة المفروضة عليها في أعقاب الثورة الخمينية.. أو من خلال التراجع العراقي الملهوف أثناء الغزو.. عن المطالبة بالسيادة على ممر شط العرب المائي.. وذلك في مبادرته الشهيرة في 15/8/1990 أو – وهنا الأهم – من خلال الدور الإقليمي الكبير الذي أصبحت إيران المرشح الأول للقيام به في أعقاب انهيار العراق كقوة.
ولكن هل يعني انهيار العراق.. أن العالم – وخاصة الغربي منه – على استعداد لقبول نمو دولة أخرى في المنطقة بالأسلوب نفسه الذي تطورت ونمت فيه القوة العراقية من قبل؟ وهو تساؤل واحتمال سيبقيان ضعيفين خاصة في ظل التصعيد المستمر الآن للمخاطر المستقبلية المحتملة في حال نمو إيران نحو الدولة الأقوى في المنطقة.. إضافة إلى استمرار الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة في التأكيد على كونه صاحب اليد العليا في المنطقة من بعد أحداث الخليج، ساعده في ذلك القبول الذي أصبح الغرب يحظى به في ظل أزمة الغزو وما خلفته من تداعيات ساهمت كثيراً في تجميل صورة الغرب لدى المواطن في هذه المنطقة على الأقل.
من وجهة نظر “ريتشارد مورفي”.. كبير خبراء الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق “رونالد ريغن“، فإن ذلك سيظل أمراً مستبعداً وحيث يقول “مورفي”، إننا لا نريد أن نرى أن هناك قوة مهيمنة على الخليج.. ولكن.. إذا كان لا بد من وجود قوة فاعلة في هذه المنطقة فهي القوة الأمريكية.
وعملياً.. فإن الغرب يحاول الآن وبصورة واضحة.. أن يقضي على ذلك الطموح الإيراني في مهده.. فصوتت الولايات المتحدة ضد منح إيران قرضاً من البنك الدولي بقيمة 165 مليون دولار، وهاجم وزير خارجيتها “وارن كريستوفر”، إيران أمام مجلس الشيوخ مؤخراً ووصفها بأنها “خارجة على القانون الدولي”.
قد لا يكون الدافع الأول من وراء التحذير الغربي من نمو القوة الإيرانية دافعاً ذا علاقة بأمن واستقرار منطقة الخليج غير أنه بالتأكيد ذو علاقة مباشرة بالدور البارز الذي بإمكان دولة غنية كإيران أن تلعبه في تغيير موازين الصراعات العرقية والقومية المتاخمة والقريبة لحدودها خاصة وأن هناك تقارير تشير إلى أن إيران ترسل مساعدات لمسلمي البوسنة إضافة إلى نفوذها في تقوية الجماعات الأصولية في عدة دول عربية.
قد لا يستطيع أحد أن ينكر مدى خطورة اضطلاع إيران كدولة في زعزعة استقرار وأمن دول عربية كتونس أو الجزائر أو مصر.. وذلك من خلال تمويل حلقات الإرهاب الديني.. والتطرف فيها، هذا إذا ما تأكدت صحة الاتهامات التي وجهتها تلك الدول إلى إيران.
إلا أن ما يثير قلق العالم حقاً.. وخاصة العالم الغربي.. من نمو القوة الإيرانية.. ليس ما يتعلق بتدخلها في الشؤون العربية ولا في تمويلها للإرهاب الديني في تلك الدول.. بقدر ما هو احتمال تزايد العلاقات ونموها مع الجمهوريات السوفيتية الإسلامية والمتاخمة للحدود الإيرانية، فهناك ست جمهوريات إسلامية تشارك إيران الحدود؛ فأوزبكستان وحدها يبلغ تعدادها 19.9 مليوناً معظمهم من المسلمين، أما كازخستان والبالغ تعداد السكان فيها 16.5 مليوناً يشكل الروس منهم 6 ملايين نسمة فقط.. وهي أعلى نسبة للسكان الروس مقارنة بالمسلمين في الجمهوريات الإسلامية الأخرى والتي لا يتجاوز تعداد المواطنين الروس فيها النصف مليون نسمة.
لعلّ العامل الأهم هنا.. والذي يرشح لإيران دوراً مشابهاً للدور الذي لعبه العراق من تهديد لأمن واستقرار المنطقة هو عامل اقتصادي بحت.. خاصة وأن الشعب الإيراني قد ضاق ذرعاً بالوضع الاقتصادي المتدهور مما زاد من تذمر الستين مليون إيراني الذين باتوا يرزحون تحت ضغوط اقتصادية.. ويعيشون على أمل تحقيق الرفاه أسوة بدول الجوار النفطية.
وعلى الرغم من أن طموحات تصدير الثورة قد فترت نوعاً ما بقدوم “رفسنجاني”.. وهو رجل أعمال إلى جانب كونه رجل دين وثورياً.. إلا أن ظاهرة المد الأصولي الديني التي أصبحت أكثر بروزاً قد تعيد إحياء تلك الطموحات من جديد.. خاصة إذا ما صحت حقيقة تورط إيران في تغذية تلك الجماعات المتطرفة مما يعني تزايد التزامات إيران المالية تجاه تلك الجماعات إضافة إلى التزاماتها المالية لمساعدة مسلمي البوسنة والهرسك في صراعهم ضد الصرب مما قد يؤدي بإيران إلى المزيد من التدهور الاقتصادي والذي ترى واشنطن أنه قد يكون السبب الرئيسي الذي قد يدفع بطهران لمواجهة مع الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي أثارها العراق بغزوه الوطن، فبحسب دراسة عن تحدي إيران للغرب، نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، فإن المحلل السياسي “باتريك كلوسون” يرى أن في حالة ازدياد التضخم الاقتصادي في إيران فإنه لن يكون أمام الزعماء الإيرانيين أمل يُذكر في حل أزمتهم الاقتصادية دون استخدام القوة العسكرية في الضغط على جيرانهم في الخليج.
قد تكون محاولات دول الغرب وبعض الدول العربية لتصعيد مخاطر نمو القوة الإيرانية تحوي شيئاً من المبالغة وذلك بعد أن تأكد بشكل قاطع أن إنهاء العزلة الإيرانية في أعقاب موقفها الحيادي إبان عملية غزو الوطن أن ذلك الإنهاء للعزلة قد جاء مبكراً وقبل أوانه.. وخاصة بعد أن تصاعد دور إيران الدبلوماسي والسياسي سواء من خلال فرض شروطها على إعلان دمشق ومسألة أمن الخليج.. أو في احتلالها للجزر العربية أو من خلال التنديد بمباحثات السلام العربية – الإسرائيلية إلا أن الواقع يقول أنه مهما بلغ حجم المبالغة في تصوير القوة والنوايا الإيرانية. فالحقيقة الماثلة الآن تقول بما لا يحتمل الشك أن الدور الرئيسي في الخليج سيكون لإيران بصماتها الواضحة فيه.. سواء سلمياً أو بإثارة المزيد من المشاكل خاصة بعد انحسار الدور العراقي وخلو المسرح.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى